رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

مهمة اتحاد القبائل العربية

المجتمع المدني أو العمل الأهلي من المفاهيم القديمة التي عرفتها المجتمعات الإنسانية، حديثًا ارتبط هذا المفهوم بالدول الديمقراطية والليبرالية التي تمنح مساحة كبيرة لمشاركة الأفراد ودمجهم في أنشطه جماعية منظمة تقوم على التطوع في مجالات مختلفة من خلال منظمات ومؤسسات لا تهدف إلى الربح وفقًا لقانون كل دولة.

من بين أهم التعريفات للمجتمع المدني: "جماعة ذات أسس أخلاقية وأبعاد سياسية معًا، وتتألف من مواطنين أحرار متساوين، وهي تعمل في ظل قوانين وقواعد تعتبر بمجموعها إفصاحًا عن القيم التي هي روح الجماعة".. هذا لا يعني أن هذه الجماعات لها أهداف سياسية ولا تعمل بالسياسة، إنما هي مؤسسات ومنظمات غير حكومية تقوم بأنشطة تكمل دور الدولة، وهذا يتضح من الأهداف المعلنة التي تعرف بها أي منظمة ترغب في العمل العام.
منذ أيام أعلن الكاتب الصحفي وعضو البرلمان مصطفي بكري عن تدشين «اتحاد القبائل العربية»، وبتعريف مختصر عن الاتحاد ليس حزبًا سياسيًا- كما أعلن المتحدث الإعلامي- وأن هذا الاتحاد يهدف إلى تمثيل القبائل العربية على المستوى المحلي والدولي، والتنسيق بينها وتعزيز التعاون فيما بينها، وحل النزاعات بينها، والمشاركة في جهود التنمية في شبه جزيرة سيناء.

ومن الناحية القانونية ينشأ هذا الاتحاد وفقًا للقانون رقم 149 لعام 2019، وهو القانون الذي ينظم عمل الجمعيات والمؤسسات المدنية والأهلية في مصر، وسيحصل على تصاريح إنشائه من وزارة التضامن الاجتماعي، وستخضع كل أنشطته للرقابة، وجارٍ بالفعل إنهاء إجراء وخطوات التسجيل الرسمي.. هذا الكيان ولد بطريقة شرعية ومن حق المؤسسين اختيار رئيس للاتحاد وفتح باب العضوية من مختلف المحافظات. 
يبدو للبعض أن هذا "الاتحاد" غير مرحب به من البعض رغم وضوح أهدافه، كما أعلن في المؤتمر التأسيسي، حيث طرح البعض تساؤلات مشروعه تمت الإجابة عليها من خلال البيان التأسيسي، والتي تتعلق بدور وتعريف اتحاد القبائل كإحدى منظمات المجتمع المدني والمؤسسات الأهلية، وكيف يكون مستقبل هذا الاتحاد؟.. كل هذه الأسئلة مشروعة ولا يشوبها أي لغط أو غموض، إنما هناك أسئلة أو استفسارات لو جاءت بنوايا طيبة ستكون الإجابة عليها منطقية.

بعض الأسئلة المنتشرة على وسائل التواصل الاجتماعي، والشائعات الممزوجة بالمعلومة المغلوطة التي تستهدف "اتحاد القبائل العربية" والتشكيك في مصداقية أهدافه، يجدر بنا أن نشير هنا إلى أن هذا الاتحاد كان موجودًا بالفعل منذ سنوات ويعمل في صمت، فالقبائل العربية التي تعيش على أرض مصر هي قبائل مصرية وتستمد اسمها من أن مصر هي جمهورية مصر العربية ولم تنتفِ عن مصر صفة العربية والعروبة، ومن ثم هذه القبائل تحافظ على عروبتها وتقاليدها وعرفها حيث تعيش تحت مظلة القانون المصري.. قد لا يعرف البعض تفاصيل الطبيعة القبلية والعرف الذي تحرص على احترامه وتفعيله، فالقبيلة التي تعيش على الحدود الغربية لا يختلف كثيرًا نمط حياتها عن القبيلة التي تعيش على الحدود الشرقية لمصر، ومن هنا نشأت بينهم روابط وأواصر اجتمعوا عليها وفقًا للقوانين المصرية التي تمخضت عن ميلاد "اتحاد القبائل العربية" التي هي قبائل مصرية خالصة.

لقد لعبت هذه القبائل العربية دورًا كبيرًا في الحفاظ على الحدود المصرية بعد أحداث 2011 فهي الأكثر دراية بدروب الصحراء بل إنهم الدليل الذي يساعد ويساند الجيش المصري في بعض المهام العسكرية.. قبائل مطروح هم من قرروا التعاون مع الجيش المصري في عمليات "درنة" في الداخل الليبي بحكم علاقاتهم بالقبائل الليبية، وهذا أمر معروف للجميع كما تابعنا في وسائل الإعلام لا سيما في حلقات مسلسل "الاختيار".. هذه القبائل حين تستدعيها الدولة في مهام جسام نجدهم أسودًا في مواجهة الصعاب. 
أما السؤال لماذا قررت قبائل سيناء قيادة هذا الاتحاد؟.. الإجابة ليست غامضة أو جديدة، مجرد أن نقوم بترتيب الأحداث سنعرف الدور الذي قامت به هذه القبائل.. بالعودة لنظام مبارك، كانت العلاقة شائكة بين قبائل سيناء والنظام بسبب الإهمال والافتقار إلى التنمية الحقيقية وهذا أمر يعرفه الجميع وأصبحت سيناء تعاني من مشاكل كثيرة، منها الفقر وانتشار السلاح وتجارة الأنفاق، ومع أحداث 25 يناير 2011 تفاقمت المشكلات وعمت الفوضى، ومع وصول الرئيس عبدالفتاح السيسي كمرشح رئاسي كان اللقاء الأول مع قبائل سيناء الذي اتسم بالمكاشفة والصراحة عن الأوضاع التي تمر بها سيناء وخاصة فترة "حكم الإخوان"، وما حدث يعرفه القاصي والداني،.. أن ذاك كان وعد "السيسي" بإعادة تنمية سيناء، وفي 2015 جاء اللقاء على أرض سيناء وقدمت القبائل أفكارًا لمشروعات على أرض سيناء والمطالبة بدمج سيناء ضمن مشروعات التنمية الشاملة للدولة المصرية بمشاركة حقيقية لأبناء سيناء، ومن هنا جاءت أول شركة مساهمة "شركة أبناء سيناء للتنمية".. كان لا بد أن يكون لهذه الشركة رئيس مجلس إدراة، وتمت تسميته من بين أعضاء الشركة، لقد اختار أبناء شركة سيناء للتمنية الشيخ "إبراهيم العرجاني" ابن قبيلة التربين.
بدأت عجلة التنمية في سيناء تعمل بأفكار قبائل سيناء واستخدام مواردها الطبيعية التي تشتهر بها صحراء سيناء.. كل هذا يتم في اندماج تام مع مؤسسات الدولة ذات البعد الاقتصادي.. ولأن التنمية تحتاج إلى أمن، وكان الإرهاب يضرب سيناء، أعلنت الدولة حربها على الإرهاب 2018، هنا تجلى الدور الوطني لقبائل سيناء تحت إشراف القوات المسلحة في مبادرة تاريخية انضم فيها شباب قبائل سيناء للعملية العسكرية، وكان الملهم لهذه الحرب هو القائد ابن القوات المسلحة المقدم "أحمد المنسي".. في تلك الفترة عرفت قبائل سيناء هذا القائد قبل أن نعرفه جميعًا، كان "المنسي" هو المدرب الجسور لشباب القبائل إلى أن استشهد قبل انتهاء الحرب.. انتهت الحرب وأعلنت القيادة المصرية عن أن سيناء خالية من الإرهاب، هنا بات حلم التنمية هو هدف أبناء القبائل بقيادة الشيخ "إبراهيم العرجاني" الذي اختارته قبائل سيناء ممثلًا عنهم وفقًا لمبادئ عرف القبائل أن يكون لهم شيخ يعرف بينهم بمواقفه الشجاعة، ولا يمكن لأحد أن يتولى زمام أمور القبيلة إلا بالاختيار، فـ"العرجاني" هو اختيار القبائل وقائد مسيرة التنمية في سيناء، لا سيما أن الحرب في سيناء انتهت والمصالحة مع الدولة في أعلى مراتبها ولم يتبق لهم سوى النهوض بسيناء فلا غضاضة من أن يكون "العرجاني" ابن قبيلة الترابين هو القائد كما هو متعارف عليه في العرف القبلي الذي يخضع لقوانين الدولة المصرية، هذا ما يفسر لنا كيف استقبل أبناء سيناء شيخهم في موكب يليق بهم وبكرم ضيافتهم.. هكذا يحتفل البدو بضيفهم وقائد التنمية وهنا المجال لا يسع للحديث عن دور "العرجاني" في مواقف سابقة والدفاع عن قبائل سيناء.. ولو صادف أن تحدثنا مع أي فرد من قبيلة سيناوية سيروي لنا الكثير عن الشيخ "العرجاني"– إن أردنا معرفة هذا الرجل بمعلومات حقيقية من أفواه أبناء عمومته.
علينا أن نؤكد أن العرف القبلي لا يخرج أو يتجاوز القانون المصري، علينا أن نقرأ المشهد كاملًا، علينا أن نترك المخاوف جانبًا فالأمر لا يستدعي كل هذا الخوف من تنظيم خرج إلينا في العلن وفقًا للقانون.. علينا أن ندرك أن "اتحاد القبائل العربية" لا يدعو للعنصرية كما يتخوف البعض.. إذن، علينا أن نعيد قراءة البيان التأسيسي لهذا الاتحاد وبموضوعية.. إنه كيان خرج من رحم الوطن ليس له هدف سوى الوقوف إلى جانب مؤسسات الدولة وأجهزتها التنفيذية، إنه كيان هدفه التنمية ثم التنمية ولا شيء سوى التنمية المستدامة في كل المجالات التي يسمح بها قانون الجمعيات الأهلية.