رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

عصابات المؤهلات.. «الدستور» تخترق شبكات مزورى الشهادات الجامعية: مصرية وأجنبية بأختام طبق الأصل

عصابات المؤهلات
عصابات المؤهلات

«خلال أيام يمكنك الحصول على مؤهل عالٍ- بكالوريوس أو ليسانس- بمقابل بسيط، لمعرفة التفاصيل تواصل معنا».. كان هذا إعلانًا صريحًا على صفحات التواصل الاجتماعى انتشر خلال الأيام الماضية، ورغم أنه قد يبدو محتوى ساخرًا، لكنه للأسف جذب انتباه كثيرين، تعرضوا للنصب.

ومنذ أيام، كشفت الأجهزة الأمنية بوزارة الداخلية عن وجود صفحات على موقع التواصل الاجتماعى «فيسبوك»، يزعم أصحابها قدرتهم على استخراج شهادات جامعية موثقة، باستخدام الذكاء الاصطناعى.

وبالتزامن، رصدت «الدستور» ظهور تلك الإعلانات، وحرصت على تتبع مصادرها، وبتتبع الظاهرة، تبين وجود شبكات نصب تعمل على مواقع التواصل الاجتماعى، وتروج لقدرتها على إصدار شهادات جامعية «حقيقية» أو بجودة عالية دون تسجيل، خلال أيام.

14 ألف جنيه للشهادة المعتمدة «تجارة وحقوق حلوان فقط».. و5 آلاف للمُقلدة

فى البداية، تواصلت محررة «الدستور» مع إحدى تلك الصفحات، وادعت أنها تحتاج لاستخراج شهادة.

«مريم صابر».. كان هذا اسم الفتاة التى تواصلت معنا باسم الصفحة، وكان ردها علينا: «متاح جميع شهادات التخرج المصرية والأجنبية، لكن بشرط وجود نموذج منها بأختام حقيقية، وأيضًا متاح كارنيهات أصلية فى النقابات المهنية، وأى شهادات أخرى بأختام طبق الأصل».

وأكدت «مريم» أن العميل يجب أن يوضح نوع الشهادة المُراد استخراجها، فطلبنا معرفة الأنواع، فردت: «هناك شهادة طبق الأصل لكن غير معتمدة، وهناك شهادة جامعية معتمدة.. والسعر يختلف».

وأوضحت: «الشهادات طبق الأصل غير المسجلة سعرها ٥ آلاف جنيه، والدفع عند الاستلام، والأمر يشمل جميع الكليات. أما الشهادات المعتمدة والمسجلة، فلا بد من أن يدفع العميل العربون أولًا، وباقى المبلغ يقدم لموظف فى شئون الطلبة وقت تسلم المستخرج، وهو أمر مطبق فى جامعة حلوان، وفقط فى كليتىّ الحقوق والتجارة، والسعر ١٤ ألف جنيه».

طلبنا من «مريم» وقتًا لجمع المبلغ وتحديد نوع الشهادة المطلوبة، على أن يكون ضمان الاتفاق هو عدم دفع بقية المبلغ إلا بتسلم الشهادة من الجامعة.. وانتهى التواصل معها.

«عثمان أونلاين» يصنع أى مؤهل جامعى بشرط «العربون» أولًا 

رصدنا إعلانًا آخر: «يجب على طالب الخدمة التواصل أونلاين فقط»، فتواصلنا مع ناشر الإعلان، واتضح أن اسمه «تامر عثمان»، وأنه أحد المتورطين فى تزوير وتقليد الشهادات الجامعية، واشترط التواصل عبر تطبيقى «ماسنجر» أو «واتس آب» فقط.

واتفقنا مع «عثمان» على أن يصنع لنا شهادة جامعية، لكنه طلب أولًا دفع جزء من المبلغ المتفق عليه من تكلفة الشهادة، وكرر: «جميع التقديمات تتم أونلاين حرصًا عل سلامتكم وسلامة تنفيذ أعمالنا».

وخلال الاتفاق معه، قال تفاصيل عمله بوضوح: «متاح كل الشهادات الجامعية وأى مؤهل دراسى ترغب فى الحصول عليه، والشهادات كلها بتكون أصلية ولكن غير مسجلة، مقابل ٤ آلاف جنيه».

وعندما طلبنا تسجيل الشهادة الجامعية، كان «عثمان» غير مستعد، ورد: «السعر سيختلف، وسأوضح لك التفاصيل بعد أن أتأكد من قدرتى على تسجيل الشهادة».. وعند هذا الحد أنهت «الدستور» الاتفاق معه.

هشام.. تعلم الدرس مقابل 500 جنيه وأصبح «ضحية»

حرصت «الدستور» على التواصل مع ضحايا تلك الجرائم، ووصلنا لـ«هشام مراد»، وقال لنا إنه كان يريد الحصول على شهادة جامعية من أجل استخدامها فى غرض، ولم يفصح عنه، وتواصل مع أحد الأشخاص القائمين على صفحة تدعى قدرتها على إصدار الشهادات الجامعية وبعض الخدمات التعليمية الأخرى بمقابل مادى. 

«هشام» نقل تجربته بصدق لحماية غيره من التعرض للنصب: «اتفقت مع الأدمن على شهادة معينة، لأنى كنت محتاجها فى أقرب وقت ممكن، واتفقنا على المبلغ المطلوب، وطلب منى دفع عربون عن طريق المحفظة الخاصة بالرقم».

وأضاف: «طلب ٥٠٠ جنيه، ولم يكن المبلغ جاهزًا معى، واستطعت جمعه وأرسلته إليه، بعد أن أرسل لى صورًا كثيرة لشهادات جامعية صنعها بنفسه، وأكد أن باقى المبلغ عند التسلم».

وتابع حزينًا: «بعد تحويل الـ٥٠٠ جنيه اختفى، وهنا علمت أننى تعرضت للنصب»، وأوضح: «بدأ ميردش على اتصالاتى، ويسوّف كتير فى الوقت والكلام، وبعد كدا مبقاش يرد خالص، وخسرت الـ٥٠٠ جنيه، وطبعًا مش هتعامل مع هؤلاء الأشخاص مرة أخرى، لأنى كنت هتورط معاهم».

حمدى «بدون مقدم».. افتخر بخبرته فى التزوير وتغيير بيانات البطاقة

«محمود حمدى» كان هدفنا الجديد بعد ذلك، يروج لنفسه بشكل مختلف كمتخصص فى مجال التزوير وواثق من قدراته، لدرجة أنه يبدأ إعلانه بدون «عربون».

تواصلنا معه عبر «فيسبوك»، وكان الرد: «شغلنا بدون عربون؛ لأننا عارفين إحنا بنعمل إيه وواثقين من شغلنا كويس»، وأشار إلى أنه يدير تلك الصفحة منذ فترة طويلة، ويصنع أنواعًا كثيرة من المستندات الرسمية، بأختام، بل ويستطيع تسجيلها كمستند رسمى، مثل الوثيقة الأصلية.

وتحدث عن الأسعار، قائلًا: «تختلف حسب نوع الشهادة الجامعية والمؤهل المطلوب، ومتاح جميع أنواع الشهادات الجامعية دون عربون، والدفع يكون عند الاستلام؛ للتأكد من جودة الشغل، ولو عايز الشغل الصح بتاع الشهادة اللى محتاجها لبكالوريوس التجارة هايكلفك ١٠ آلاف جنيه، وبتستلم نسختين».

وأكمل متحمسًا: «إنما لو بتدور على شغل سعره قليل.. فده هتلاقيه زى ناس كتير بألفين وتلاتة، وده ماحدش بيشتغله لأن مالوش لازمة، وبنقدم كمان خدمات أخرى كتيرة».

لم نقاطعه، وتركناه يسترسل: «يعنى لو حابب تثبت المؤهل فى البطاقة الشخصية نثبتهولك، وكل الاتفاقات والشغل فى سرية تامة؛ من أجل حفظ البيانات والمعلومات، وكمان أمان لينا».

«مالكش عندى حاجة».. شاكر سجّل مكالمة للنصاب «فوكس».. وخسر 2000 جنيه

بعد ذلك تواصلنا مع شاكر محمد، ضحية أخرى لتلك الصفحات المشبوهة، وقال لنا: «أنا كنت محتاج أى إثبات يقول إنى حاصل على مؤهل عال، سواء كانت الشهادة معتمدة أو مقلدة، فقط كنت محتاجًا شهادة، ودلنى أحد الأشخاص على صفحات التواصل الاجتماعى وجروب لتقليد الشهادات الجامعية، ورشحوا لى شخصًا يُدعى هانى فوكس». وأضاف «شاكر»: «اتفقت معه على دفع عربون، وأننى سأحصل على الشهادة خلال أيام، لكن طبعًا الكلام دا طلع مش حقيقى والاتفاق مكملش، والناس اللى دلتنى عليه، الناس دى تبعه أو ممكن يبقى هو ده كله واحد، يعنى هو نفس الشخص وبيشتغل بأكتر من حساب». وأكد: «أنا مسجل للشخص دا، وبدأت فى الإجراءات اللازمة تجاهه؛ لأنى بعتله ٢٠٠٠ جنيه، ومن بعدها مبقاش يرد وبيتهرب، وفى الآخر اتخانق معايا وتنصل من أى اتفاق وقال لى ملكش حاجة ومش هتقدر تبلغ ومش هتعرف توصل لى».

التعليم: لجنة لرصد الكيانات الوهمية

تسعى وزارة التعليم العالى لمواجهة الكيانات الوهمية وكل من يدّعى قدرته على تقليد الشهادات الجامعية، وقال الدكتور عادل عبدالغفار، المتحدث الرسمى لوزارة التعليم العالى، إن الوزارة سبق وشكلت لجنة مختصة برصد كل الكيانات الوهمية أو الإعلانات التسويقية على مواقع التواصل الاجتماعى.

ويوضح «عبدالغفار» أن هذه اللجنة بدورها ترصد كل الأفعال غير المشروعة لتلك الكيانات الوهمية والصفحات المنتشرة على مواقع التواصل الاجتماعى، وترفع تقارير لوزير التعليم العالى؛ من أجل اتخاذ الإجراءات القانونية حرصًا على مصلحة الطلاب وأولياء الأمور.

قانونى: السجن المشدد لكل مزور

أوضحت سميرة هاشم، عضو لجنة الحقوق والحريات بالنقابة العامة للمحامين، أن التزوير فى محرر رسمى كالشهادات الجامعية جريمة يعاقب عليها القانون وفقًا لنص المادة ٢٦٤ من قانون العقوبات رقم ٥٨، وتصل العقوبة إلى السجن المشدد. 

وقالت «هاشم»: «كل شخص ليس من أرباب الوظائف العمومية ارتكب تزويرًا مما هو مبين فى المادة السابقة يعاقب بالسجن المشدد أو بالسجن مدة لا تزيد على عشر سنين، وفقًا للمادة ٢١٢».

وتابعت: «تقع العقوبة على كل من زور، سواء كان لتعديل بيانات الرقم القومى أو الحصول على غرض ما مادى أو معنوى، ومن استعمل هذا المستند وهو يعلم بتزويره».

وتؤكد عضو لجنة الحقوق والحريات بنقابة المحامين: «هنا تكمن أهمية الرقمنة وتحويل جميع البيانات والمعلومات بشكل رقمى فورى، لذلك يجب ربط بيانات المواطنين بقاعدة بيانات موحدة مرتبطة بالسجل المدنى لعدم التلاعب أو التزوير فى المحررات الرسمية».