رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الكنيسة في أسبوع الفريسي والعشار: كلُّ مَن يَرفَع نفسَه يُوضَع

بابا الروم الارثوذكس
بابا الروم الارثوذكس

قال نيافة الحبر الجليل الأنبا نيقولا أنطونيو، مطران الغربية وطنطا للروم الأرثوذكس، والمتحدث الرسمي للكنيسة في مصر، إن كلُّ مَن يَرفَع نفسَه يُوضَع.

وأضاف الأنبا نيقولا أنطونيو، الوكيل البطريركي للشؤون العربية، في بيان رسمي، عبر صفحته الرسمية بموقع التواصل الاجتماعي فيس بوك، أن في مَثَلُ الفرّيسيّ والعشّار (جابي الضرائب)، في نهاية المَثَل يقول يسوع "مَن يَرفَع نفسَه يُوضَعُ ومَن يُوضِعَ نفسَه يُرفَع".

في مَثَلِنا أنّ الفرّيسيّ وقف أمام ربّه، في الهيكل، يمدح نفسَه. وكانت صلاتُه إلى الربّ تعدادًا لفضائلِه وممارساتِه العباديّة الكاملةِ. فنراه يحدّث اللهَ عمّا يفعلُه هو من أعمالٍ بمقتضى الشريعة، وعمّا يقترفه الآخرون من موبقاتٍ خلافًا للشريعة، بقولُه "لستُ مثلَ باقي الناس... ولا مِثلَ هذا العشّار". وكأن الله باتَ عندَه مجرّد سامِعٍ منه لأخبارٍ عن فضائله وعن رذائل الغير. والأهمّ من هذا أنّه نصّب نفسَه ديّانًا، مكانَ الله، فحكم على نفسِه بأنّه بارٌّ وعلى الآخرين أنّهم خطاة، وكأنّه شاءَ أن يُلزِم ربَّه بحكمه هذا.

إلى هذا، يلفتنا أنّ الفرّيسيّ يستهلّ كلامَه بشكر الله. في الكتابِ المقدّس عمومًا، وفي سفر المزامير خاصّةً، أنّ شكرَ الله، في العادة، يكون على فعلٍ خلاصيّ أتمّه هو للمصلّي؛ أمّا عند الفرّيسيّ فالشكر لله على أمور يقول إنّه قامَ بها هو، بحيث يغدو شكرُ الله، في الحقيقةِ، شكرًا لنفسِه على أعماله هو. هكذا يكون الفرّيسيّ قد جعل الله، بصلاتِه هذه، صنمًا لا يسمع ولا يرى ولا يفعلُ. وهكذا يكون الفرّيسيّ هو سامعُ أخبار فضائله، والناظرُ إلى أفعاله، والذي يحكم في استقامةِ برِّها. 

ما كانَ العشّارُ هكذا. فقد ترك أمرَ الدينونة لله. لم يتحدّث عن فضائلَ عندَه، بل نظر إلى نفسِه، إلى عمقِها. شاءَ في لحيظةٍ، أن يرى خطيئته، فسأل الربّ أن يرحمَه، ومضى. وفي عمق صلاتِه أنّه، إذ تفكّر في الغيرِ، مَن أخطأ هو به إليهم. هذا لم يُصنّم اللهَ. ترك له أن ينظر ويسمع ويحكم. وقد استهلَّ صلاتَه بالدعاء إلى الله أن يرحمَه. يقول المَثَلُ إنّ الله برّره. غفر له. رَحَمَه. وما تبرّر الفرّيسيّ لدى الله، ولو كانَ بارًّا لدى نفسه.

هذا لافتٌ، وذلك لأنّ صلاةَ العشّار كانت، في الحقيقةِ، "كتابيّة"، أي من الكتاب المقدّس، مِن صلب الشريعة، وإن كان ما يقترفه هو من أعمال خلافًا للشريعة؛ أمّا الفرّيسيّ، فكانت صلاتُه غيرَ كتابيّة، أي مخالفةً للشريعة، وإن كان ما يفعلُه هو من أعمالٍ بمقتضى الشريعة. وإنّ هذا الأمر إنّما غايتُه أن يقدّم المعنى الحقيقيّ للشريعة، وهو أنّ التزامَك بها، والعملَ بما تقتضيه، لا يمنحانك البرَّ، بل البرُّ الحقيقيُّ أن تقرّ، سواء كنتَ ملتزمًا بأصول الشريعة أم لا، بأنّك أمامَ الله إنسانٌ من غبار تحتاج دومًا إلى رحمة الله ونعمته، وأنّك من دونهما لا شيء. 

كلُّنا في سعي. وليس فينا مَن هو كاملٌ. وإنّنا، في سعينا، قد لا نتقدّم بسبب ما فينا من أثقال، إلاّ أنّ ربّنا هو الذي، في الحقيقة، يسعى إلينا في يسوع المسيح الذي ماتَ لأجل خطايانا على الصليب. في إقرارنا، كالعشّار، أنّنا خطأة وأنّنا نحتاج إلى رحمة الربّ، مهما كنّا، ونُسلم يدَنا لله، لعلّه يسير بنا إلى حيث هو يشاء.  فالله هو الذي يَضَعُ وهو الذي يَرْفَع.