رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

كم مرّة استيقظت ميتًا؟

قلما طرحنا على أنفسنا هذا السؤال الذى يفترض شجاعة كبيرة من الفرد ليجيب عليه بدقة: كم ساعة عمل أو بالأحرى كم دقيقة عمل فعلية أنجزتها اليوم؟ وكم مرّة استيقظت ميتا فلا رغبة فى عمل ولا قدرة على عطاء؟ نصت المادة 80 من قانون العمل المصرى رقم 12 لسنة 2003 على أنه لا يجوز تشغيل العامل أكثر من 8 ساعات تشغيلا فعليا يوميًا بما يعادل 48 ساعة عمل أسبوعى. أما المادة 81 فقد أقرت بحق العامل فى الحصول على ساعة راحة بحيث لا يعمل العامل أكثر من 5 ساعات متصلة. هكذا حدد القانون عدد ساعات العمل، أما واقع الأشياء فهو أمر مختلف عمّا نظمه القانون.
ومن المسلّم به أن العامل المصرى نشيط بطبعه وحريص على إنجاز عمله، لكنه يتميز بما لديه من مهارة تسمح له بإنجاز المطلوب وقتما يشاء وكيفما يقرر، فهو قادر على إنجاز العمل فى ساعة ولديه نفس القدرة على أن يطيل أمد المطلوب إنجازه أياما. الفيصل فى الأمر هو نظام الأجر الذى يتقاضاه، فلوأن عاملا يتقاضى راتبا شهريا فإن لديه الأريحية لأن ينجز المهمة فى أيام بحجة أن ما لم ينجز اليوم يتم غدًا، أو بعد غد.
أما ذات العامل فستجده فى قمة النشاط والدأب على إنجاز المهمة فى وقت قليل وبمعدل سريع حتى يزيد من قيمة الأجر الذى يتحصّل عليه، أو لينهى عمله مبكرًا حتى يخلد للراحة، هذا إذا كان يعمل فى مؤسسة جعلت نظام الأجور لديها مرتبطًا بما يتم إنجازه، فيما يتم تعريفه بنظام «المقطوعية». إنه مبدأ الأجر مقابل العمل والذى سقط للأسف الشديد من نظام العمل لدينا وخاصة فى القطاع الحكومى، ولنكن أكثر دقة بالقول إن هذا النظام العادل الذى يحقق المنفعة للطرفين «العامل وصاحب العمل» قد تراجع، على الرغم من كونه النظام الذى تتحقق من خلاله أهداف وتتم إنجازات وتبرز نجاحات المؤسسة، وكافة العاملين بها.
أتذكر أن سمعت حديثا للعالم الراحل د. عبدالله شحاتة، الأستاذ بكلية دار العلوم والمتوفى قبل أكثر من عشرين عاما، يدعو فيه إلى بدء يوم العمل وانتهائه مبكرًا ما أمكن، كما تفعل كل المجتمعات الراغبة فى تحقيق النجاح. ومؤخرًا راجت على صفحات السوشيال ميديا مقولة مشابهة للمؤرخ المصرى الكبير د. عبدالوهّاب المسيرى يقول فيها : «استوردنا ساعات العمل من الغرب دون تفكير، وهى ساعات تصلح تمامًا لبلادهم. أما بالنسبة لبلادنا؛ فيوم العمل المناسب يمكن أن يبدأ بعد صلاة الفجر، وينتهى عند وقت الظهيرة، على أن يستأنف الناس حياتهم الاجتماعية بعد العصر، ويناموا بعد صلاة العشاء».
وهكذا انشغل كبار مفكرينا منذ زمن بعيد بمسألة توقيت بدء العمل، لما لها من أهمية للاقتصاد الوطنى، فضلا على فوائدها الصحية للأفراد، والمجتمعية الداعية لاستقرار الأسر ورفاهيتها. وكم أعطانا السيد الرئيس عبد الفتاح السيسى دروسا عملية فى هذا الشأن ببدء يوم عمله منذ الخامسة صباحا - كما صرح للتليفزيون المصرى فى حديث متلفز مع يوسف الحسينى أواخر أكتوبر من العام الماضى - وكم رأينا فعاليات يبدأها سيادته مع تباشير الصباح، وحتى كثير من الافتتاحات الرسمية تبدأ وتنتهى فى حين يغط كثيرون فى نوم عميق.
بالطبع ليست القاعدة عند المصريين هى الاستيقاظ مـتأخرًا، لكن من الإنصاف القول إن هذه أصبحت القاعدة عند الكثيرين منهم، إذ يتأخرون فى نومهم حتى قبيل الفجر، وهو الوقت الذى يفترض فيه أن يتهيأوا للاستيقاظ، لا أقول لأداء فريضة دينية وقّتها الله فى هذا التوقيت لحكمة يعلمها سبحانه، وإنما لينطلقوا حيث عملهم الدنيوى الذى منه يقتاتون وعليه يؤجرون. ولو راجعنا قصص نجاح المشاهير من الناجحين فى أى قطاع وسألناهم متى يستيقظون وفى أى وقت ينامون، لوجدنا أن نجاحهم مقترن دائما بفكرة الاستيقاظ مبكرًا.
قد يقول قائل إن حالة الطقس فى بلادنا قد تغيرت بصورة واضحة، إذا وضعنا فى الاعتبار تلك المتغيرات المناخية العالمية التى تسببت فى ارتفاع درجات الحرارة بمعدلات دفعت كثيرين لجعل ليلهم نهارا، والعكس. هذا كلام صحيح تماما، لكن علاجه يتمثل فى أن نبدأ يومنا وأن ننتهى منه وفق ما يقول منطق الأشياء بتبكير ساعة البدء لنخرج من لظى ساعات القيظ التى تعطل العمل وتقلل الإنتاج، وأن نبكّر - من ثم - بساعة الانتهاء لنوفر من معدلات استهلاك الطاقة، ولنتهيأ ليوم عمل جديد.
والسؤال: هل يحتاج أمر كهذا - فى حال أثبتت الدراسات جدواه - إلى تشريع ينظم الأمر ويجعله يتم بصورة آلية؟ هل سيتقبل المجتمع تغيير نمط حياته ويشجع الفكرة أم سيقاومها؟ وهل قام أحد علماء المركز القومى للبحوث الاجتماعية بإجراء بحث علمى حول تلك المسألة انتهى بنتائج أوخرج بتوصيات يمكن البناء عليها؟ وكيف نعود مجتمعا حريصا على النجاح واستثمار ساعات العمل المحددة بحكم القانون وألا يستيقظ ميتا مستسلما لعوامل التغير المناخى؟