رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

"والتين والزيتون، وطور سينين".. إنه قسم الله

ما هو الوطن ؟.. هو الشوق إلى الموت من أجل أن تعيد الحق والأرض. ليس الوطن أرضًا، ولكنه الأرض والحق معًا. الحق معك، والأرض معهم. كلمات الشاعر الوطني محمود درويش. 
الوطن يظل جريحًا يتألم شعبه إلى أن يبقي الحق معك والأرض معك.. عاد الوطن حين تحقق العبور العظيم للجيش المصري في 1973 ورفع العلم المصري على أرض سيناء وانتهى الصراع المصري الإسرائيلي باستعادة الأراضي المصرية كاملة بتضافر الجهود السياسية والعسكرية في 25 أبريل 1982.

وأصبح الحق معك والأرض معك، نحتفل جميعًا بأعياد تحرير سيناء في ذكرى غالية على قلوب المصريين عامة، وسكان سيناء خاصة.

في هذه المناسبة العظيمة أتذكر أول زيارة قمت بها إلى أرض سيناء في مهمة عمل 2007، أرض لها سحر تتجلى فيها الطبيعة بأبهى مظاهرها، قال عنها المؤرخ "نعوم شقير" في كتابه "تاريخ سيناء وجغرافيتها"، سيناء "بلاد عربية محضة- بل إنها مصرية محضة- يعيش فيها الإنسان على الفطرة كأنه معاصر لإبراهيم وموسى وله عقل الشيوخ وقلب الأطفال".

أكد "شقير" في كتابه مصرية سيناء ومطامع الدولة العثمانية منذ قرن مضى في الاستيلاء على سيناء.. هذا قدر الأراضي المقدسة، وهذا دفاع واستبسال الجيش المصري والمفاوض السياسي في الدفاع عنها.
سكان سيناء شهود عيان على أحداث التاريخ وبواسل في الدفاع عن كل شبر من أرض الفيروز.. أثناء زيارتي الأولى لـ"سيناء" التقيت بشخصية عظيمة من أبنائها، تحديدًا في قرية "الجورة" إحدى قرى مدينة رفح المصرية، حيث التقيت شيخ المجاهدين الشيخ "حسن خلف"، رجل دمث الخلق كريم الضيافة حلو اللسان، كلماته منتقاة كأنه يتفوه شعرًا.

في تلك الفترة كانت الأحداث في سيناء غير مستقرة لغياب الدولة عن تلبية مطالب مشروعة لبدو سيناء، تحدث بكل احتياجات المواطن السيناوي، ولأنه مجاهد ومحارب قديم شارك في حرب 67 وحروب الاستنزاف وصولًا إلى انتصارات أكتوبر، يعرف حدود دولته، يعرف الواجبات والحقوق، تحدث بقلب جسور.

رجل حكيم في طرح قضيته، دائمًا ما كان يؤكد أنه ابن المؤسسة العسكرية يقولها بفخر وعزة، حكى لي عن سجنه في أحد السجون الإسرائيلية، كان مستهدفًا من الاحتلال الإسرائيلي وتم القبض عليه، فهم البطل المصري السيناوي الذي قام بعملية ضرب مركز القيادة الإسرائيلية بالعريش أثناء احتلال سيناء، وضرب مستعمرات الاحتلال الإسرائيلي فى مناطق الشيخ زويد، وتنفيذ عمليات نوعية مترجلًا ومستخدمًا الإبل فى نقل الصواريخ والأسلحة والمدد من شرق القناة حتى عمق سيناء.

ومن ثم حكمت عليه المحاكم الإسرائيلية بالسجن 149 عامًا بتهمة قتل الأطفال، أمضى منها 4 سنوات في أحد سجون تل أبيب، في مكتبة السجن كان الكتاب خير جليس له، حيث أمضى المدة في القراءة، خاصة كل ما يتعلق بتاريخ الحروب التي مرت بها البشرية، كما قرأ عن الجيوش وكيف تستمد قوتها من عتاد وجنود واستراتيجيات الحروب، هذه القراءات المختلفة والمتعددة أثقلت شخصيته ووضعته في مكانة كبيرة بين قبائل سيناء.

كما عرف عنه أنه مطلع على تاريخ العرف السيناوي وتعلم من عمه الشيخ خلف حسن الخلفات قواعد القضاء العرفي.. الشيخ "حسن خلف" كان شاعرًا يحفظ من الشعر العربي القديم والحديث، كل هذه القدرات الشخصية جعلته أحد أهم أبطال سيناء وابن بار للمؤسسة العسكرية.

والد "الشيخ حسن خلف" أحد أهم رموز قبيلة السواركة فى فترة الخمسينيات والستينيات، وأول نائب برلماني عن سيناء.. "الشيخ حسن خلف" رحمة الله عليه كان شخصية ملهمة بحاجة لمن يكتب عنه مؤلفًا بقيمة وقامة مثل هذا الرجل.. في أحد اللقاءات اتفقنا على أن نبدأ في كتابة مذكراته، ولأنه ظل حتى آخر يوم في حياته يعمل بالقوات المسلحة المصرية، طلب أن يستأذن قياداته في كتابة مذكراته– هكذا يعرف رجال قواتنا المسلحة باحترامهم للعسكرية المصرية- إلا أن القدر لم يمهله وداهمه المرض وفاضت روحه إلى بارئها في 23 يونيو 2022، ولم ننتهِ من كتابة مذكراته.

كان شيخ المجاهدين "حسن خلف" مرجعًا لكل صحفي يكتب عن سيناء، الجميع يعرف قيمة هذا الرجل، يوم رحيله، نعته القيادة العامة للقوات المسلحة تقديرًا لدوره البطولي في الحروب على سيناء حتى أثناء الحرب الشاملة على الإرهاب 2018 كان دوره حاضرًا بين القبائل السيناوية مدافعًا عن الحق في تطهير الأراضي المصرية من الإرهاب.

كان شيخ المجاهدين يحلم بمشروع قومي يعم كل ربوع سيناء.. كان يردد التنمية هي الحل الأقوى للقضاء على الإرهاب.. كان مناديًا بتعمير سيناء بمشروعات التنمية.. لقد أمهله القدر بأن يرى حلمه حقيقية على أرض سيناء.
في يوم عيد تحرير سيناء نرسل لك يا شيخ المجاهدين من عالمنا الصغير برسالة كل أحرفها تؤكد أن تنمية سيناء لم تعد حلمًا بل أصبحت واقعًا تعيشه وتنعم به الأجيال الحالية وأجيال المستقبل.

مشروعات ومشروعات تؤكد أن الدولة المصرية لديها مشروع كبير نلمسه ونراه جميعًا.. أقسم الله بك يا سيناء في كتابه الكريم "والتين والزيتون، وطور سينين".

كل عام وكل المصريين في رخاء.. وكل عام نحتفل بأعياد سيناء بمزيد من التنمية.