رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

دماء تحرير وتعمير سيناء

بـ«تحية إعزاز وتقدير لشهداء مصر الأبرار، ذوى الكرم والفداء، وأصحاب المروءة والبطولة، ورمز الكرامة والتضحية»، أنهى الرئيس عبدالفتاح السيسى كلمته، أمس الخميس، فى الذكرى الثانية والأربعين لتحرير سيناء، مؤكدًا أنه لا يوجد ما هو أشرف من تقديم التحية والاحترام لمن كانت دماؤهم الذكية نهرًا ارتوت منه رمال سيناء، حتى تم تحريرها، ثم تطهيرها من الإرهاب.

هكذا، ربط الرئيس بين تحرير سيناء من المحتل وتطهيرها من الإرهاب. بالضبط، كما ربط حرب التحرير وحرب التطهير، باعتبار كليهما واجبًا وطنيًا مقدسًا، بواجب وطنى مقدس آخر، هو تنمية سيناء وتعميرها، والجهود غير المسبوقة التى تشهدها، اليوم، ومنذ عشر سنوات تقريبًا، لتحقيق التنمية الشاملة فى الصحة والتعليم والبنية الأساسية وجميع مقومات العمران والصناعة والزراعة، فى إطار مشروع قومى ضخم، يستحق أن يقدم المصريون التضحيات اللازمة من أجل تنفيذه، حماية وصونًا لأمن وسلامة الوطن كله.

امتزجت، إذن، دماء تحرير سيناء بدماء إعادة تحريرها وتعميرها، وبالجهود الضخمة والمضنية التى استعادت بها أرض الفيروز ملامحها، التى شوهتها الحروب والعمليات الإرهابية. ولعلك تتذكر أننا كنا قد أوضحنا، فى مقال سابق، كيف أن سيناء حين عادت فى ٢٥ أبريل ١٩٨٢، عادت بقيود الحدود الآمنة، التى جعلتها منزوعة أو «مكتوفة» السلاح، وبالتالى صارت مرتعًا للإرهابيين، إلى أن استعادت مصر عافيتها العسكرية والسياسية، وأعادت تحريرها. كما كنا قد أوضحنا، أيضًا، كيف أن حلم التعمير ظل حبيس الكتب والدراسات، حتى استعدنا قرارنا السياسى والاقتصادى.

كان مخطط أهل الشر، كما شرحه الرئيس، سنة ٢٠١٤، هو تحويل سيناء إلى كتلة من الإرهاب والتطرف، لا يستطيع أحد أن يتخلص منها. وفى المقابل، كان أمامنا خيار أسهل، هو مواجهة الإرهاب، وعقب الانتهاء منه يبدأ النظر فى عملية التنمية، غير أننا اخترنا الأصعب، والأكثر تعقيدًا، وكان القرار الاستراتيجى، الذى اتخذه الرئيس السيسى سنة ٢٠١٤، بأن تسير عملية التنمية جنبًا إلى جنب مع دحر الإرهاب. وبالفعل، وبينما كنا نخوض حربًا شرسة ضد قوى الإرهاب والشر، جرى، خلال السنوات العشر الماضية، تنفيذ مشروعات تنموية ضخمة باستثمارات تجاوزت الـ٦٠٠ مليار جنيه.

بالقوة، فتحت مصر طريق السلام، واستطاعت، بعد انتصارها العسكرى الذى استردت به هيبتها، أن تستعيد سيادتها على كامل ترابها الوطنى، بانتصار سياسى وقانونى ودبلوماسى، اجتازت خلاله، قبل وبعد ٢٥ أبريل ١٩٨٢، وصولًا إلى ١٩ مارس ١٩٨٩، يوم استرداد طابا، طريقًا موحشًا، أثبت فيه المصريون قدرتهم على ضبط النفس والتحرك المدروس، دون تهور، حتى أجبروا الإسرائيليين على الالتزام بمعاهدة السلام، الموقّعة فى ٢٦ مارس ١٩٧٩، التى تضمنت تنازلات المهزوم للمنتصر، التى تواجه الآن، وكما أوضحنا أمس، تحديًا قد يكون الأخطر فى تاريخها، بسبب رعونة الحكومة الإسرائيلية المتطرفة، ومحاولاتها البائسة، أو اليائسة، تنفيذ المخططات أو السيناريوهات الهادفة إلى تصفية القضية الفلسطينية.

فى هذا السياق، حذرت مصر مرارًا، ولا تزال، ليس فقط من تبعات العدوان الإسرائيلى المباشرة على الأشقاء فى فلسطين المحتلة، ولكن أيضًا مما سيجرُّه هذا العدوان من توسيع حتمى لرقعة الصراع، وتزايد تدريجى للتصعيد، وصولًا إلى إدخال المنطقة فى دائرة من العنف والعنف المضاد، قد تلتهم الأخضر واليابس، وتقضى على أى أمل فى تحقيق السلام القائم على العدل، الذى حاربنا من أجله، وتمكنَّا من انتزاعه، والتزمنا به فى أحلك الظروف، ونحاول، جاهدين، الحفاظ عليه، تحقيقيًا لهدف أسمى، هو إرساء الأمن والاستقرار والتنمية فى المنطقة، والحفاظ على أرواح ومقدرات ومصالح شعوبها. 

.. أخيرًا، وتأسيسًا على ما سبق، كان طبيعيًا أن يجدّد الرئيس، فى كلمته، أمس، تأكيد الموقف المصرى الواضح، الرافض تمامًا كل سيناريوهات أو مخططات تهجير الفلسطينيين من أراضيهم إلى سيناء، أو إلى أى مكان آخر، حفاظًا على القضية الفلسطينية من التصفية، وحماية لأمن مصر القومى. إضافة إلى تأكيده، أيضًا أو طبعًا، موقفنا الثابت، وإصرارنا المتواصل، وعملنا المكثف، على وقف إطلاق النار فى قطاع غزة، وإنفاذ المساعدات الإنسانية، ودفع جهود إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة، ذات السيادة.