رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

عقوبات «نيتساح يهودا» وبوابة التحقيقات

من الصعب فهم الطريقة التى تتعامل بها الولايات المتحدة مع إسرائيل، يتفقان ويختلفان، لدى واشنطن وعود بحماية أمن إسرائيل، لكن لديها تحفظات فى بعض الأحيان، تمنح تسهيلات وأيضًا تضع شروطًا، تعطى مساعدات بسخاء وتفرض عقوبات.. كل فى آن واحد. من يعرف الأمريكيين يعرف أن هكذا هم.

دعونا نبدأ من العقوبات، قبل شهرين فرضت الولايات المتحدة، بريطانيا، فرنسا ونيوزيلندا عقوبات على عدد من المستوطنين الذين وصفتهم بأنهم «متطرفون» وقالوا «إنهم نفذوا اعتداءات عنيفة ضد الفلسطينيين فى الضفة الغربية»، وبسبب القيود التى فرضت عليهم جمدت حساباتهم البنكية وبطاقاتهم الائتمانية.

ومؤخرًا تتحدث الولايات المتحدة عن فرض عقوبات على كتيبة «نيتساح يهودا»، حيث اتصلت الإدارة الأمريكية عدة مرات بمكتب المدعى العام، ووزارة الأمن ووزارة الخارجية للحصول على مواد حول التحقيقات فى الهجمات على الفلسطينيين التى شارك بها جنود من الكتيبة. 

الأمريكيون أعربوا عن استيائهم من نتائج التحقيقات، خصوصًا فى الأحداث التى قتل بها فلسطينيون، ودار حديث- غير رسمى- عن فرض عقوبات بموجب ما يعرف بقانون ليهى، الذى يحظر تقديم المساعدة العسكرية للأفراد أو وحدات قوات الأمن التى ترتكب انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان، ولم يتم تقديمها إلى العدالة، كما يحظر على الوحدات الخاضعة للعقوبات المشاركة فى التدريبات العسكرية المشتركة مع الجيش الأمريكى، ليس هذا فقط، بل قيل إن واشنطن تدرس فرض عقوبات على وحدات عسكرية وشرطية إسرائيلية أخرى يزعم أنها ارتكبت انتهاكات لحقوق الإنسان ضد الفلسطينيين.

ردًا على ذلك، قال رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو: «إذا اعتقد أى شخص أن بإمكانه فرض عقوبات على وحدة من جيش الدفاع- فسوف أحاربه بكل قوتى»، ولا نتعجب إذا كان التصريح التالى هو شكر نتنياهو لإدارة بايدن على أى شىء. هكذا تسير الأمور بينهما.

إسرائيل اتخذت الأمر بجدية، وبينما تنظر وزارة الخارجية الإسرائيلية فى آلاف الادعاءات المتعلقة بانتهاكات قانون ليهى كل عام، فقد أنشأت لجنة خاصة تقوم بشكل حصرى بفحص الادعاءات ضد الجيش والشرطة الإسرائيلية بسبب الحساسية السياسية للقضية.

تاريخيًا كان مقر نيتساح يهودا، أو «يهودا إلى الأبد»، فى الضفة الغربية، وهى وحدة مشاة، مكونة إلى حد كبير من يهود قوميين متدينين متشددين، وارتبط بعض عناصر الوحدة بانتهاكات ضد الفلسطينيين.

كانت الكتيبة فى مركز العديد من الحوادث المثيرة للجدل فى الماضى المرتبطة بالتطرف اليمينى والعنف ضد الفلسطينيين، وأبرزها وفاة عمر أسعد، وهو فلسطينى أمريكى يبلغ من العمر ٧٨ عامًا توفى بعد قيام جنود الكتيبة باعتقاله وتقييده وتعصيب عينيه وتركه بعد ذلك فى أجواء شديدة البرودة.

فى ديسمبر عام ٢٠٢٢ قامت إسرائيل بنقل الوحدة من الضفة الغربية- رغم أنها نفت أنها فعلت ذلك بسبب سلوك جنودها- ومنذ ذلك الحين عملت الوحدة فى الغالب فى شمال إسرائيل، ولكن لم يتم اتخاذ أى خطوات لمحاسبة جنود محددين على حوادث سوء السلوك المتكررة ضد الفلسطينيين.

فى إسرائيل يعتقدون أن توقيت نشر الإعلان الأمريكى عن العقوبات ليس صدفة، وهناك من يربط بين رزمة المساعدات الضخمة التى صادق عليها الكونجرس الأمريكى والإعلان عن العقوبات.

فى واشنطن يرون الأمور من ناحية أخرى، وهى أن إدارة بايدن تميز بين عدم موافقتها على تصرفات إسرائيل فى الضفة الغربية ومواصلة دعمها القوى لإسرائيل على نطاق أوسع، بما فى ذلك حزمة المساعدات البالغة ١٤ مليار دولار.

والحقيقة التى يعرفها الجميع، أن التأثير العملى للعقوبات- لو حدثت أصلًا- قد يكون محدودًا، فحتى لو منعت العقوبات إسرائيل من استخدام المساعدات العسكرية الأمريكية لشراء أسلحة لنيتساح يهودا، سيكون لا يزال بإمكان إسرائيل استخدام أموالها الخاصة لشراء أسلحة للكتيبة. لكن التأثير الأكبر هو تفاقم وضع إسرائيل على الساحة الدولية ويزيد من خطر صدور أوامر اعتقال بحق مسئولين إسرائيليين كبار.

معنى العقوبات لا يتعلق بالإجراءات المتخذة ضد إسرائيل والإسرائيليين فى العالم، ولكن هى خطوة قد تؤثر على الأجواء فى الساحة القانونية الدولية حيال إسرائيل، ويمكن تفسيرها باعتبارها انعدام ثقة من جانب الولايات المتحدة فى النظام الإسرائيلى.

ويمكن أن تكون بداية لفتح تحقيقات لاحقًا فى سلوك الوحدات الإسرائيلية العاملة فى غزة، نظرًا لمقاطع الفيديو التى نشرها جنود إسرائيليون على وسائل التواصل الاجتماعى طوال الحرب ضد حركة حماس والتى تظهر انتهاكهم قواعد السلوك الخاصة بالجيوش وقت الحروب، ففى كل الأحوال فإن هذه الخطوة ستفتح بوابة التحقيقات على إسرائيل لفترة طويلة من الزمن.