رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الحرب لا تلغى البهجة!

تزيد كثيرون، في فترة العيد السابقة، إذ قالوا إن على الجميع أن يقتلوا بهجتهم بالعيد لأن فلسطين تعاني أوضاعًا كارثية، وفلسطين تعاني حقًا، إنما تقاوم لكيلا تنهار تمامًا، ونحن نعاني نفس معاناتها لأنها أختنا، إنما نقاوم لكيلا نسقط أيضًا، مقاومتها بالسلاح والفداء، ومقاومتنا ببهجة صغيرة تصادف ميعادها، ولا تنفي أحزاننا الكبرى لما يجري بالأرض المغتصبة..
كان على هؤلاء الدعوة إلى تخفيف جلبة الأفراح والاقتصاد في مظاهرها المستفزة؛ فمثلها دعوة مقبولة في هذه الظروف العسيرة الكئيبة، وفي غيرها إن أردنا الحق، أما أن يدعو الداعي منهم إلى نسف البهجة من أساسها فهو شيء غريب ومنفر بالفعل؛ لأن السرور في المناسبات الدينية والوطنية والشخصية السعيدة، السرور البسيط بالذات، شيء عابر يمنح الأنفس راحة مؤقتة لتعود قوية لممارسة أنشطتها بعده، وهو شعور يصعب كتمانه أصلًا، بل إن الفلسطينيين أنفسهم يحاولونه سرمديًا، وأرضهم لا تخلو من دمار ودماء طوال الوقت! 
أعلم أن الحرب ضارية هذه المرة، وأن الفقد رهيب والخسارات فادحة، وأن إسرائيل لن ترعوي أبدًا؛ لأنها فرصتها المنتظرة لتغيير خرائط كثيرة لا خريطة الأرض المحتلة وحسب، لكنني مع ذلك لا أجد مشكلة في أن يتبادل الجميع التهنئة بالعيد، وأن يبتهج الكبار ويلهو الصغار؛ فهذا لا يعني أننا في واد وفلسطين في آخر، هذه فرحة عيد تفرحها فلسطين نفسها كما ألمعت آنفًا، والصحيح أن نفهم أنها طبيعية وتلقائية لا سيما إذا راعت الظرف القاسي المحدق بالبلاد..
على كل حال كثر هؤلاء المبالغون الذين يحرمون حتى البهجة على الناس، البهجة المعقولة، ولا يبالون بحزن النفوس العميق الذي يحتاج إلى أنفاس جديدة لا شقاء فيها، ولو قلت، تلطف الجو اللاهب حول الأكباد الباكية على الحال الذي آلت إليه أمتنا!
ليتنا نفهم أن اتفاقنا على نصرة فلسطين وغزة، لا يناقضه أننا أحيانًا ننفعل بالأحداث السارة انفعالًا يناسبها، ونتفاعل معها تفاعلًا ينعش دواخلنا، فلولا هذان (الانفعال والتفاعل) لمتنا حسرة وكمدًا، ولربحت إسرائيل ربحها الأكبر بأمة طويلة عريضة ضاع إحساسها بعيدها بجانب ضياع إحساسها بالأمان في دائرة عدوها التاريخي القبيح.
نبتهج في أعيادنا، كما تبتهج فلسطين نفسها، ابتهاجًا قويمًا يعزز ثقتنا في أنفسنا، ويحيي مناسباتنا العامة والخاصة التي نحبها ونوقرها، ويمنحنا أملًا كبيرًا في كوننا سنبتهج، غدًا أو بعد غد، ابتهاجنا الكبير بزوال الشر عن كامل أرضنا الأسيرة، وزوال المؤامرة عن كامل أرضنا الحرة، ولو كففنا عن هذا الابتهاج فالمعنى أننا لسنا موجودين فقد توقفنا عن الحياة، وتوقفنا عنها هو مراد العدو بالضبط؛ ففحواه ميلنا إلى الاضمحلال والفناء، وخليق بنا ألا نضمحل وألا نفنى؛ لأن الضعف والتضاؤل لا يليقان بنا، ولا الهلاك طبعًا، فلنبتهج إذن بهدوء لتنطفئ بهجة العدو!