رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

المسيح قام.. كيف يقضى الأقباط عيد القيامة المجيد؟

عيد القيامة المجيد
عيد القيامة المجيد

يترأس البابا تواضروس الثانى، بابا الإسكندرية بطريرك الكرازة المرقسية، قداس عيد القيامة المجيد، فى كاتدرائية الأقباط الأرثوذكس بالعباسية، اليوم، إيذانًا ببدء الاحتفال بالعيد، الذى يتضمن تنظيم عدة قداسات إلهية، وفعاليات وأنشطة دينية مختلفة فى الكنائس والإيبارشيات. واعتاد البابا على زيارة جميع كاتدرائيات مصر فى الأعياد الثلاثة، فهو يقضى عيد الغطاس فى كاتدرائية الأقباط الأرثوذكس الكبرى بالإسكندرية، ويقضى عيد الميلاد فى كاتدرائية ميلاد المسيح الكبرى بالعاصمة الإدارية الجديدة، بينما يقضى عيد القيامة فى كاتدرائية العباسية بالقاهرة. «الدستور» ترصد، فى السطور التالية، أبرز إجراءات تنظيم الاحتفال بعيد القيامة داخل الكنائس، وأهم الفعاليات والأنشطة التى تقام فى هذه الفترة.

فرق كشافة للتأكد من هويات الزوار.. وقاعات مخصصة لاستقبال المهنئين

تتبع الكنائس المختلفة نظامًا أمنيًا مشددًا لتأمين صلوات القداسات خلال عيد القيامة. قال نبيل خليل، الخادم المتخصص فى النظام الكنسى، إنه يستوجب على الزائر عند وصوله إلى الكنيسة إبراز بطاقة الرقم القومى الخاصة به، ثم يسأله مسئولو الكشافة المختصون بالتأمين عن سبب الزيارة، فإما يكون مصليًا من أبناء الكنيسة، أو مهنئًا بالعيد، ليتم الترحيب بكل زائر بالشكل اللائق.

وأضاف «خليل»: «فى المرحلة الثانية يتم الكشف عن المتعلقات الشخصية لدى الزائر، إذ يحمل الفرد الكشفى جهازًا متخصصًا فى الكشف عن المعادن، وتحضر بعض الكنائس جهازًا يعمل بأشعة (إكس راى)، تمر من خلاله الحقائب وما شابه، ويلى ذلك توجيه الزائر بالمرور عبر البوابات الحرارية».

وواصل: «هناك مرحلة تأمين أخيرة، عندما يصل الزائر إلى صحن الكنيسة لحضور القداس الإلهى، حيث يتولى خادم الكشافة مهمة الاطلاع على الدعوة، فى حال خصصت الكنيسة دعوات، وإن لم تكن هناك دعوات، يتولى الفرد الكشفى مهمة توصيل المصلى أو الزائر إلى المقعد الذى سيجلس عليه، لحضور المراسم والطقوس حتى نهايتها».

قال جورج فادى، أمين خدمة، إنه على مدار يوم العيد وليلته أيضًا، تزدحم الكنائس بالمهنئين والمحبين، الذين يرغبون فى تهنئة الأقباط بالعيد، خاصة رعاة الكنائس، مشيرًا إلى أن الكنائس تخصص فرقًا من كوادرها الخدمية لاستقبال المهنئين، من الشخصيات العامة ورجال الأحزاب والشخصيات الدينية المختلفة، حيث يتم التقاط الصور التذكارية، مع تقديم التهنئة فى قاعة مخصصة، وتقديم واجب الضيافة فى أجواء يملؤها الود والمحبة.

مشهد تمثيلى لـ«قيامة المسيح»..وملابس خاصة للبطريرك والمطارنة

بَين بيشوى حبيب، أستاذ الألحان فى الكنيسة، أن هناك ملابس معينة يجرى ارتداؤها خلال القداس الإلهى، ويشاهدها كل من يتابع القداس على شاشة التلفاز.

وأوضح «حبيب» أنه على سبيل المثال يرتدى البابا على رأسه التاج البابوى، ويرتدى المطارنة والأساقفة فى إيبارشياتهم التاج الأسقفى، والكهنة يرتدون على رءوسهم ما يسمى بـ«الطيلسانة».

وأضاف: «يمسك البابا والمطارنة والأساقفة فى أيديهم ما يسمى بعصا الرعاية، ويقف خلف البابا والمطارنة والأساقفة شماس يحمل ما يسمى بالحية النحاسية، وهى رمز مذكور فى عهد موسى نبى الله المعروف بالعهد القديم».

وواصل: «يرتدى جميع الشمامسة أيضًا جلبابًا أبيض يسمى بالتونية، ويرتدون فوقه ما يسمى بالصدرة، وفوقه البرنس، بينما يستعيض الشمامسة عن الصدرية بالبطراشيل».

وقال الخادم، ماجد أنور، إن عيد القيامة يتميز عن غيره من الأعياد بما يسمى بـ«تمثيلية القيامة»، وهو مشهد تمثيلى لقيامة المسيح تتلى فيه جمل مقتبسة من أحد مزامير نبى الله داود.

وأوضح «أنور» أن «الكاهن يبدأ بقول «أخريستوس آنيستى» ٣ مرات، ليرد عليه الشماس الذى يقف خارج المذبح بنفس العدد قائلًا «اليثوس آنيستى»، ثم يعود الكاهن ليقول: «المسيح قام»، ليرد عليه الشماس: «فى الحقيقة قام» ٣ مرات، ثم يقول الكاهن: «افتحوا أيها الملوك أبوابكم وارتفعى أيتها الأبواب الدهرية ليدخل ملك المجد»، ليرد الشماس: «من هو ملك المجد»، ليختتم الكاهن تمثيلية القيامة بقوله: «الرب العزيز القوى الجبار هو ملك المجد».

وأضاف: «بعد ذلك تقرع الأبواب ببهجة، وتبدأ زفة القيامة، وهى عبارة عن دورة يلف فيها شمامسة الكنيسة ٣ مرات محتفلين بأيقونة القيامة، كما يؤدى الكهنة طقس التبخير إعلانًا للفرح الروحى بالمناسبة، وفى أثناء ذلك، يرتل الشمامسة ألحان القيامة».

فرق لزيارة كبار السن والأيتام.. وعيدية وسلع ولحوم لـ«أخوة الرب»

أكد صموئيل صبحى، أمين خدمة، أن الكنيسة تولى اهتمامًا كبيرًا بالفئات الخاصة فى فترة العيد، فتوفد مثلًا فرقًا من «خدام الرحمة» لزيارة أسر المساجين فى منازلهم، وكذلك الأسر التى فقدت عائلها أو عزيزًا عليها، إلى جانب كبار السن والأيتام فى دور الرعاية الخاصة بهم، علاوة على المرضى فى المستشفيات.

وأضاف «صبحى»: «تأتى هذه الزيارات لقضاء العيد مع هذه الفئات، والتأكد من توافر كل احتياجاتهم، إلى جانب تلاوة بعض ترانيم وألحان القيامة عليهم، كما يمكن تنظيم فقرات ترفيهية مثل المهرج والألعاب الحركية، ثم قراءة جزء من الإنجيل، والانصراف بعد الصلاة».

وواصل: «يكون لهذه الأفعال أثر عظيم فى نفوس هذه الفئات المجروحة، والتى تحتاج إلى تكاتف المجتمع كله معهم للعبور من أزماتهم أيًا كانت، لأن الله خلق الإنسان سندًا لأخيه الإنسان، والسيد المسيح أوصى بذلك عندما قال «كل ما فَعَلْتُمُوهُ بِأَحَدِ إِخْوَتِى هؤُلاَءِ الأَصَاغِرِ، فَبِى فَعَلْتُمْ».

وكشف صموئيل سمير، خادم كنسى، عن أنه فى كثير من الأحيان تهتم الكنيسة بأن تتضمن الوفود الخدمية شباب المخدومين، حتى يتعلموا أن الخدمة الحقيقية هى أن يبذل الإنسان نفسه، ويحب خدمة المسيح فى الآخرين، وبهذه الطريقة يكون المخدوم قد خُدم وخَدم فى الوقت نفسه، بما يسهم فى إنشاء جيل قوى من الخدام فى المستقبل.

وبالطبع يكون «أخوة الرب» على رأس الاهتمامات الكنسية فى العيد، وفق الخادم الكنسى مجدى عطية، الذى أفاد بأن «أخوة الرب» هو مصطلح كنسى، يطلق على الفقراء والمساكين وغير القادرين على مجاراة أعباء الحياة المادية، من أبناء الكنيسة القبطية الأرثوذكسية، مشيرًا إلى أن «المسيح هو الذى أطلق على الفقراء لقب أخوته».

وأضاف «عطية»: «الفرد من أخوة الرب يحصل على العيدية، ثم يتجه إلى المكتب المسئول عن السلع التموينية، للحصول على المكرونة والأرز والزيت والشاى والسكر، وبعض المؤن التى لا يستغنى عنها أى بيت، بالإضافة إلى اللحوم وأكلات العيد».

وواصل: «كما يحصل على الملابس الجديدة، التى تراعى فيها الكنيسة أن تكون على مقاسات الأفراد، لئلا يشك أحد أنها ممنوحة من الكنيسة، بالإضافة إلى مراعاة الذوق العام للذكور والإناث، بالإضافة إلى مجاراة الموضة». وتخصص كل كنيسة نسبة كبيرة من حجم التبرعات التى تحصل عليها من القادرين، لخدمات «أخوة الرب»، بنسبة تصل إلى ٣٠٪، ويتوقف ذلك بناء على عدد الأسر المحتاجة بالنسبة لكل كنيسة، وفق الخادم الكنسى.

تعليق الأعلام والستائر البيضاء 50 يومًا.. وعزف «النغمة الفرايحى»

قال عزيز ناصر، شماس، إن الكنيسة تكتسى بأكملها باللون الأبيض، خاصة الستائر والأعلام والمفارش، مرجعًا ذلك إلى حالة الفرح الروحى بقيامة المسيح من بين الأموات، مضيفًا: «من المقرر أن يستمر تعليق هذه الستائر لمدة ٥٠ يومًا، هى مدة الخماسين المقدسة».

وأفاد جورج ميخائيل، خادم كنسى، بأن الكنيسة تتبنى ٣ ألوان طيلة العام، الأول هو اللون النبيتى أو القرمزى، وهو لون الستائر والأعلام والأقمشة على مدار السنة، ويرمز إلى دماء المسيح، ويأتى حزنًا على خطايا البشر التى دفعته لفدائهم بالموت على خشبة الصليب.

وأضاف «ميخائيل»: «لا يتغير هذا اللون القرمزى إلا فى «أسبوع الآلام»، حيث تتشح فيه الستائر والأعلام والأقمشة باللون الأسود، وصولًا إلى اللون الثالث وهو الأبيض، ولا تتشح الكنيسة به إلا ٥٠ يومًا فقط، هى فترة الخماسين المقدسة فقط». وواصل: «الخماسين المقدسة هى الخمسين يومًا التالية لعيد القيامة المجيد، وتتميز هذه الفترة بأنها لا صوم فيها نهائيًا لأى سبب، ولا يسجد الأقباط سجود الميطانية فيها نهائيًا، باعتبارها أيام فرح، كما يظل الأقباط يرتلون جميع ألحان القيامة بالنغمات المفرحة».

قال ريمون نسيم، خادم كنسى، إن الأقباط على مدار ٥٠ يومًا، هى فترة «الخماسين المقدسة»، يتبادلون التهنئة الخاصة بعيد القيامة المجيد، بقول «أخريستوس آنيستى، واليثوس أنيستى»، وهى تحية يونانية تعنى «المسيح قام، بالحقيقة قام».

وتعزف الكنيسة خلال العيد وطوال فترة «الخماسين المقدسة» التى تليه، ما يعرف بـ«النغمة الفرايحى»، احتفاءً بهذه الأيام المبهجة والسعيدة. وقال عماد رءوف، أمين لجنة روحية، إن الكنيسة بها ٥ أنواع من النغمات الموسيقية، الأولى تسمى بالنغمة السنوى وتستخدم طيلة العام، فيما عدا بعض الأصوام والمناسبات، وبدءًا من شهر كيهك تستخدم نغمة أخرى تسمى بالنغمة الكيهكى، وفى عيد الصليب وأحد الشعانين، تستخدم النغمة الشعانينى، وفى أسبوع الآلام تستخدم النغمة الحزاينى أو الأدريبى، وفى فترة الخماسين تستخدم النغمة الفرايحى.

هدايا ومباريات كرة.. مسرح بممثلين وعرائس.. ولا غنى عن الترنيمة 

اعتبر سامح وليم، أمين إحدى لجان التعليم والعقيدة، أن حفلات «مدارس الأحد» هى البهجة الرئيسية لصغار السن والمراهقين فى العيد، خاصة أنها لا تتضمن كلمة روحية أو تنويهًا عقائديًا فقط، بل تشتمل على احتفال كامل، يبدأ بلعبة، ثم ترنيمة عن المناسبة، وتلى ذلك العظة، وأخيرًا تسليم هدية العيد. وقال صموئيل مجدى، أمين خدمة مساعد، إنه تتم مراعاة كل فئة عمرية عند تسليم هدية العيد، فالهدايا التى تمنح لطالب فى المرحلة الابتدائية ليست كالتى تمنح إلى طلاب الإعدادية أو الثانوية، كما أن النوع مهم جدًا، فهدايا الأولاد تختلف كليًا عن هدايا الفتيات، موضحًا أن خدمة الابتدائى قد تمنح المخدومين كيسًا من الحلوى، بينما تكون هدية خدمة ثانوى أكثر عملية. وأضاف رمزى ناصر، خادم متخصص فى المشتريات، عن هدايا العيد: «بعض الكنائس تتجه إلى المشغولات اليدوية، لأنها أرخص من هدايا أخرى، كما أنها أكثر عملية، مثل مقلمة خشبية يُكتب عليها اسم الكنيسة، واسم المخدوم، أو مسطرة تُستخدم فى الامتحانات». وأكدت تاسونى مريم فؤاد، مخرجة مسرحية، أن المسرح الكنسى لا غنى عنه فى حفل العيد، من خلال دوره فى «منح عبرة» لشباب المرحلتين الإعدادية والثانوية، معتبرة أن «الاسكتش» الذى تبلغ مدته ٢٠ دقيقة أفضل من محاضرة كاملة لمدة ساعة. وقالت مادونا صبرى، خادمة فى المسرح الكنسى، إن هناك خصوصية للعروض المقدمة للأطفال، فهى تعتمد بشكل أكبر على العرائس والدمى، فى ظل انجذاب الطفل بكل تركيزه لها، أكثر من حركة الخدام «الممثلين»، مضيفة: «من خلال الدمى والاسكتشات المسرحية فى حفل العيد، يمكن غرس قيم مهمة، مثل محبة الوطن والآخر، والصدق والأمانة». أما السيناريست، كيرلس جورج، فكشف عن اهتمامه بربط «الاسكتش» بمناسبة العيد، عند كتابته، فلا يمكن أن يقدم «اسكتش» فى عيد القيامة، وهو يتحدث عن أسبوع الآلام، أو عن قصة حياة قديس.

إلى جانب المسرح الكنسى، هناك أيضًا الترانيم، وفق رفقة سمير، قائد كورال، التى قالت إن ترنيمة العيد أمر لا غنى عنها نهائيًا، مشيرة إلى أن كل مناسبة كنسية لها ترانيمها الخاصة التى يترنم بها المخدومون.

وأضافت «رفقة»: «فى كل عيد أو مناسبة يحفظ المخدوم ترنيمة، تظل معه إلى العيد المقبل، حتى تصل حصيلة ترانيم المخدوم إلى عدد كبير، ثم يبدأ فى تلقينها للأطفال، حينما يصبح هو شخصيًا خادمًا فيما بعد».

وتمتد الاحتفالات الكنسية إلى الجانب الرياضى. وقال تامر لمعى، أمين إحدى اللجان الرياضية، إن هناك أسرًا قد لا تتمكن من الخروج فى نزهات لإسعاد أطفالهم فى العيد، وهو ما يدفع الكنيسة للاهتمام بهؤلاء الأطفال، من خلال تنظيم مباريات كرة قدم لهم، وهو ما يجذب جميع الفئات، وليس غير القادرين فقط، فى ظل أن كرة القدم نشاط محبب إلى قلوب المخدومين الشباب.

حرص على زيارة القبور والكنيسة: لا تحريم ولا رعاية

للأقباط عاداتهم الاجتماعية فى العيد، من بينها زيارة القبور، والتى وصفها مينا خليل، خادم الشباب، بأنها عبارة عن زيارة اجتماعية بحتة، لا علاقة لها بالكنيسة والجانب العقائدى المسيحى، مشيرًا إلى أنها أمر محبب، خاصة فى ظل ما تتضمنه من قراءة نصوص دينية.

واتفق ميلاد وهيب، خادم كنسى، قائلًا: إن «الكنيسة لا تحرم ولا تجرم زيارة القبور فى العيد، لأنها اعتادت على مشاركة الشعب أحزانهم، عملًا بقول الإنجيل (فَرَحًا مَعَ الْفَرِحِينَ وَبُكَاءً مَعَ الْبَاكِينَ)، لكنها لا ترعى هذه العادة، ولا تطلق أفواجًا إلى القبور فى ليلة العيد، وتكتفى بذكر أسماء المتوفين فقط فى قداس التراحيم الذى يتمم فى صباح ليلة العيد، والتى تعرف كنسيًا بقداس برامون العيد». أما الخادم فى النشاط المسرحى، ياسر شفيق، فقال إن هذه العادة تعتبر بمثابة عزاء لذوى المتوفين، يعبرون من خلالها عن مشاركتهم لذويهم الراحلين فى الاحتفال بالعيد، لكنها وفقًا للمفهوم المسيحى، غير صحيحة كلية، لأن القبور بها أجساد لا أرواح، وهذه الأجساد سرعان ما تتحلل إلى تراب، ولا يكون بها أى حياة، بينما الأرواح هى الباقية والخالدة فى السماء.