رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

خالدون فى كتاب الوطن والوطنية

ونحن نعيش زمن ولاية رئيس مصري وطني، وجّه لشعبه ولمبدعي الوطن العديد من رسائل التنوير وإيقاظ الوعي، ومن منا ينسى مداخلته التليفزيونية عندما وجّه رسالة إلى الكاتب عبدالرحيم كمال، قائلا: "لفت نظري كلامك عن تجديد الخطاب الروحي والكلام عن التاريخ ودمجه بفكرة معينة، أنا عايز أقولك أنا داعم لك في عمل على مستوى الدولة، والناس اللي بتشتغل في أي مهنة بتستهدف الربح طبعا، لكن أحيانا بيكون فيه قضية تطرحها على الناس قد تتوارى فكرة الربح شوية، أنا مش هطلب من المفكرين والمثقفين والكتاب وحتى المنتجين والمخرجين إن هم يتولوا قضايا قد يكون تناولهم فيها قد لا يحقق الربح، لكن إذا كانت حتى التكلفة المالية والربح هيبقى عائق أمام عمل زي كده أنا بقولك دلوقتي أهو أنا معاك، قضيتنا قضية الوعي مثلما ذكرت أنت الجانب الديني ولن أدخل في نقاش حاليا حول الخطاب الديني، وستجدون دعما ضخما للإبداع، لا أطلب منك أبدا تقديم عمل بالمجان، بل أطلب منك تقديم عمل يحشد كل الموهبة، بدعوة زملائك الفنانين والموهوبين، فأنتم تعرفون أنفسكم جيدا"..
وبالمناسبة، ونحن نتحدث عن الخطاب الروحي والتوعوي، تكرر الحديث في الكثير من وسائل الإعلام منذ رحيل قداسة البطريرك شنودة الثالث عن أن هناك جهة ما منتجة قد انتوت إنتاج فيلم سينمائي يتناول دراما حياة قداسته الثرية والعظيمة القدر... وهو خبر رائع وطيب أسعد الملايين من أبناء الشعب المصري لتقديرهم البالغ دور ذلك الحبر الجليل الروحي والوطني التاريخي، ولأنه ولأول مرة ندرك أهمية استخدام الدراما وأدوات الفن السابع في إلقاء الضوء حول أدوار مؤسساتنا الدينية العتيدة (عبر رموزها الكبار) كقوة ناعمة تشارك في تنمية وتقدم المجتمع، فعند تناول رمز ديني بقدر وقامة قداسته عندما كان يدير شئونها الروحية والإنسانية والمجتمعية وعلاقاتها بمؤسسات الدولة في مصر، وعبر إبراشياتها في العالم كله، وعلى مدى 40 سنة هي مدة حبريته التاريخية، أعتقد أننا أمام تجربة مهمة ملهمة لتأريخ وتوثيق أحداث تلك الفترة الزاخرة بدراما شعب ظل يناضل من أجل دعم حالة الاندماج الوطني والتعايش المشترك على الأرض المصرية.. 
وإننا إذ نتمنى أن يكون الإعداد لذلك المشروع لا يزال قائمًا، حيث اختفت المتابعات الخبرية عنه، وأن تتجدد الدعوة لتفعيل ذلك المشروع الهام الوطني والروحي، باعتباره شهادة على عصر واحتفاء بتاريخ وطني مصري رائع..
ولعله من الأهمية بمكان مراعاة التوجيه لتلك الجهة المنتجة "عند إعلان اسمها" أنه عند اتخاذ قرار بتقديم دراما وفنون تقترب بمحتواها من وجدان ومشاعر كل أبناء الوطن ضرورة الالتزام بالموضوعية والجودة واللغة السينمائية، والبعد عن المبالغة ووضع هالات التقديس والإعجاز على حساب الأدوار الروحية والوطنية والمجتمعية لرموزنا الدينية التي ظلت تمثل مؤسسات عملاقة في تاريخها وأدوارها محليًا وإقليميًا وعالميًا.. 
وأوافق على إعلان أن يكون للكنيسة مراجعتها بشأن حياة من جلس على كرسيها لمدة 40 سنة، وأراه ضرورة لكي تشارك في مسئولية صحة المعلومات "على الأقل في الجوانب الروحية والطقسية وقرارات المجمع المقدس والتطور في حياة وشكل الرهبنة والتوسعات الرأسية والأفقية لكنيستنا العظيمة على سبيل المثال"، ولكن في حدود معلوماتها ودورها الروحي، وليس للوصاية على الشكل المهني والإبداعي على العمل ونجومه وصناعه..
إن مثل تلك الأعمال الدرامية التي تقدم عروضًا لحقب وفترات من تاريخ مشاركة الكنيسة كمؤسسة وطنية عتيدة في الحياة المصرية الاجتماعية والإنسانية، مطلوب إشراف علمي وتاريخي مهني على إنتاجها، ولا داعي للتهرب من أمر وجود متابعة ما يصدر عن رموزها، أما الممجوج وغير المطلوب هو التدخل في السياق الإبداعي للأعمال الفنية والدرامية التي تتناول قضايا الأسرة والمواطن المصري المسيحي دون دراية بفنون المرئيات وأسس صناعتها وإبداعها..
أما أمر أن تقوم الكنيسة بتمويل أفلام سير حياة الرموز الكنسية العظيمة من باب دعم الوعي الديني والروحي، فلِمَ لا يا ناس، أليس أهم وأفضل من صرفها على المبالغة- على سبيل المثال- في تكييف الكنائس والأديرة تكييفًا مركزيًا واستيراد الثريات والسجاجيد والرخام من بلاد الفرنجة بملايين الدولارات لتكييف المواطن المُصلي ونعنشة معاليه، وإمتاع بصره وترقية ذوقه، وكفاه ما يعانيه في بيته عندما تتعطل مروحته العتيدة، والتي لا تعمل إلا بنداء أشقى أولاده ليركلها برجله لإعادة الحياة لها؟!!!
ولي أمل أن يكون الفيلم بداية لإنتاج أفلام حول رموز كنسية ومسيحية أخرى لها أدوار وطنية وإبداعية وروحية تاريخية، حتى لو كان من بين من لم يتم الصلاة على جثمانهم فصلى لهم ملايين المسيحيين والمسلمين المصريين، وأتمنى أن يراعي كُتاب ومخرجو مثل تلك الأعمال دور من طالبوا بحب إصلاح وتطوير تلك المؤسسة العملاقة بشكل يليق بجهودهم الرائعة ..
إن الإدارة العلمية التي نأملها لمؤسساتنا الدينية لا بد أن تذهب لتفعيل كل سبل التعامل مع آليات العصر.. 
ويؤكد الكاتب الرائع "ماجد كامل"، الباحث في التراث القبطي، أن قضية الوحدة الوطنية قد شغلت عقل البابا على مدار زمن حبريته، ومنها، وعلى سبيل المثال، عندما انتشرت وتكررت حوادث الشغب في 18 و19 يناير 1977، اجتمع الرئيس الراحل أنور السادات بالقيادات الدينية المسيحية والإسلامية بقصر عابدين يوم 9/ 2/ 1977، وفيها ألقي قداسته خطابًا تاريخيًا، جاء فيه: "أود أن أقترح كناحية من تأكيد الوحدة الوطنية، أن تكون هناك لجنة دائمة مشتركة بين رؤساء القادة الدينيين في الإسلام والمسيحية، وأن تجتمع باستمرار ويناقش ما بينها من أمور لأن المثل يقول (البعد جفوة) وأنا واثق أننا كلما التقينا زدنا تماسكًا وترابطًا، وكلما فهمنا بعضنا البعض بأسلوب أوسع كلما كان لهذا الأمر تأثيره على أولادنا من المسيحيين والمسلمين"..   
ومن المقترحات العملية التي اقترحها قداسته في نفس الخطاب "يمكننا أن ندخل في وسائل عملية كثيرة نربط بها بين المسلم والمسيحي ونحيا حياة مشتركة، وثقوا أن الحب أقوى من القانون، ونحن ننادي برسالة الحب باستمرار ونريد أن نعلم أولادنا في المدارس الحب، نعلمهم حب الأبوين ونعلمهم حب المدرسين، ونعلمهم حب القادة، ونعلمهم حب بعضهم لبعض الحب النقي الطاهر الذي يرتفع فيه الإنسان عن مستوى القانون، نريد أن نعلم أولادنا حب بلادهم، يحبون كل شارع من شوارعها، وكل مرفق من مرافقها، وكل مؤسسة من مؤسساتها، ونريد أن نعلم الناس احترام الغير حتى الذي يخالفك في الرأي، ما أسهل أن يختلف معك إنسان في الرأي ويكلمك بأسلوب هادئ فتحترم رأيه المخالف"..
وأيضًا أهمية الإشارة إلى التوصيات التي اقترحها قداسته لدعم الوحدة الوطنية حول الاشتراك مع علماء المسلمين في وضع كتب دينية مشتركة في النقاط المشتركة التي تجمعنا، مثل مقاومة الإلحاد، صفات الله، التوحيد، الفضيلة والأخلاقيات المشتركة، الوحدة الوطنية والقضايا العامة، فعندما يرى عامة الشعب قادة الدين المسلمين والمسيحيين يشتركان معًا في تأليف كتاب واحد تتقوى روابط المحبة فيما بينهم ويزول الإحساس بالغربة.