رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

دراما منتصف العمر

منتصف العمر مرحلة تبدأ بعد الأربعين وصولًا إلي خمسة وستين، كما حددها الباحثون، في هذه المرحلة يتغير كل شيء..هى مرحلة نضج إنساني مفعم بروح الشباب عكس ما يري البعض أنها مرحلة تصيب الإنسان بالاكتئاب والأمراض المختلفة ويضع لها الأطباء روشتة علاج وأسلوب حياة جديدًا حتي يتسني للإنسان أن يتواءم مع هذه المرحلة.
الحقيقة أن الدراما أغفلت هذه المرحلة العمرية في فترة من الفترات واتجهت إلي إنتاج دراما أبطالها من فئة الشباب وللشباب وقدمت أدوارًا ثانوية لمن هم في مرحلة منتصف العمر.  هذا العام من الإنتاج الدرامي تجاوز هذا الخطأ والجرم في حق نجوم أثروا الحياة الفنية في مراحل عمرية مختلفة وقدموا دراما فيها انسجام لكل الأعمار، فالحياة تحتمل طفلًا خرج للتو من رحم أمه إلى أن يشاء الله، فكلٌ ميسر لما خلق له. 
تميزت دراما رمضان 2024 بمساحات بطولة للجميع من واقع قصص تمس المجتمع المصري بكل شفافية واقتربت من قضايا لم تُطرح بمثل هذه الجدية في النقاش والتحليل، لا سيما القضايا التي تتعلق بتطبيقات شبكة الإنترنت وما يترتب عليها من جرائم جنائية،  كما ناقش مسلسل "أعلى نسبة مشاهدة" قضية الترويج لبعض الإعلانات على بعض التطبيقات مثل تطبيق الريلزوالفيسبوك والظهور "لايف" أو مباشر.. الحقيقة أن سيناريو هذا العمل مستوحي من أحداث حقيقية ولم تأخذ القصة الأصلية حقها في النقاش المجتمعي، كما ناقش المسلسل التفاصيل بعمق وأكثر  واقعية.. عنوان المسلسل هدف في حد ذاته، دائمًا ما يسعي مستخدمو تطبيقات الإنترنت إلي أعلى نسب مشاهدة التي اعتبرها البعض وظيفة للتربح، وإن كان هذا ربحًا بلا منتج ونهاية لايحمد عقباها..  ناقش المسلسل القضية الأهم وهى الجهل بقوانين هذه التطبيقات، خاصة أن ليس هناك قوانين وتشريعات خاصة بهذه التطبيقات والمشرع في كل دولة يحتكم إلى قوانين دولته، كما يبدو لنا في الحلقة الأخيرة من المسلسل، حيث تعاطف الجميع مع "شيماء" بطلة العمل الدرامي التي انجرفت وراء تيار أعلى نسب المشاهدة والحصول علي أموال كان هدف شيماء هو مساعدة أهلها دون النظر للوسيلة التي تحقق بها غايتها.. الحلقة الأخيرة كانت كاشفة لأبعاد القضية التي شاركت الفنانة "انتصار" بنضجها الفني وعنفوان أدائها أن تقدم دورًا لا يمكن لأم أن تبدع فيما أبدعت فيه "إنتصار"، على التوازي كان دور الأب الفنان "محمد محمود" قدم المورال من العمل في مشهد النهاية كاد أن يصفق له القاضي الجالس علي منصة القضاء.
الجهل بقواعد وقوانين استخدام التطبيقات المنتشرة على شبكة الإنترنت هو الذي دفع بالفتاة "شيماء" إلي ارتكاب جريمتها وإن كانت النتيجة تعاطف الجميع معها لصدق نواياها أو الدافع وراء استخدامها لمثل هذه التطبيقات، إلا أن كلمة القانون هي الفصل استندت إلي أدلة كانت لها تداعيات وخيمة علي المجتمع ومن ثم جاء حكم القاضي مبنيًا على مواد من القانون تجرم فعل مرتكب الجريمة وما ترتب عليه من الحاق الضرر بالمجتمع.
دراما هذا العام من إنتاج الشركة المتحدة للخدمات الإعلامية تفوقت علي نفسها في تقديم قضايا اجتماعية متنوعة تمس الشارع المصري، ليست قضايا تتعلق بفئة عمرية محددة وإن كانت تركز في الأساس على قضايا الشباب، كما كان يحددث في السابق.. في هذا العام اتسعت المساحات وسمحت لكل الفئات العمرية أن تناقش قضاياها..في أعلي نسبة مشاهدة نجد دور الأب والأم حاضرًا وبقوة،  الكل يشارك في طرح القضية والجميع يتحمل المسئولية منذ بداية الأحداث. بالمثل لا تختلف كثيرًا في مسلسل "مسار إجباري" اإن كانت البطولة شبه مطلقة للشابين "أحمد داش" و"عصام عمر" إنما هناك مساحات تم توظيفها بشكل جيد للفنانة "صابرين" والدة عصام، والفنانة "بسمة" أم أحمد داش..، وفي أعمال أخري نجد تفوق الفنان محمد رياض ورياض الخولي والفنانة القديرة سوسن بدر في دورها المتميز في مسلسل قلع الحجر، وعودة الفنان القدير يحيى الفخراني في دور الجد  في مسلسل "عتبات البهجة" يضع لمسته الفنية وخبرته في العمل الدرامي بعد أن اختفي دور الجد وبات نسيًا منسيًا وتشاركه ذات المساحة في مسلسل "أعلى نسبة مشاهدة" الفنانة القديرة صاحبة التاريخ المهني "إنعام سالوسة" في دور الجدة من مشاهد رئيسية أكدت خلالها أن الفنان قادر علي العطاء في أي مرحلة عمرية.
ننتظر المزيد من الأعمال المتوازنة ذات الطرح المثمر في النصف الثاني من رمضان بعد أن قررت المتحدة إنتاج أعمال في 15 حلقة بعيدًا عن المط والتطويل مقابل التركيز في قضايا مختلفة بما يؤكد أن الدراما الاجتماعية تناقش وتحلل وتفسر وتقدم حلولًا لقضايا مجتمعية وإن كانت من وحي خيال المؤلف ولمسة إبداع مخرج نجح في تقديم وإخراج موطن إبداع الممثلين أبطال الأعمال الدرامية.