رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

ضربة إيران وهدنة غزة

بينما انشغل العالم في الساعات القليلة الماضية بمشهد مسيرات إيران وهي تتحرك ببطء نحو إسرائيل، وثارت الأحاديث حول توابع الرد الإيراني على قصف قنصليتها في دمشق، قالت إسرائيل في نفس التوقيت إن حركة حماس رفضت مقترح الهدنة في غزة الذي كانت قد تسلمته يوم الإثنين الماضي.
وما بين الهجوم الإيراني ورفض حماس للهدنة خيوط كثيرة متشابكة، أبرزها هو ما قالت عنه حماس عقب السابع من أكتوبر في مسألة وحدة الساحات، حيث كان من المتوقع اشتباكات متنوعة ضد المصالح الإسرائيلية سواء من حزب الله في لبنان أو الحوثيين في اليمن أو النجباء في العراق، حيث تمثل هذه القوى أذرعًا قوية واضحة لإيران.
ولكن ما حدث من هذه القوى في الأسابيع الأولى لحرب غزة لم يكن بالمستوى الذي انتظرته حماس، لذلك رأينا تسارع وتيرة الهمجية الإسرائيلية على أرض غزة بحجة محاولة استعادة الرهائن، بينما رصد المتابعون للحرب أن ما حدث للمدنيين في غزة كان انتقامًا تاريخيًا تنفذه إسرائيل لا لسبب إلا الرغبة الجامحة في إهانة المنطقة بأسرها.
وجاءت خطوة الاعتداء على القنصلية الإيرانية كخطوة غير محسوبة عسكريًا من إسرائيل لنرى توابعها في مئات المسيرات الإيرانية وهي تصل إلى أرض إسرائيل، في هذه اللحظة تحديدًا يصل رد حماس السلبي، فقد ذكر مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، في بيان، أن حركة حماس رفضت أحدث مقترح لاستعادة الرهائن الإسرائيليين، وقال إن إسرائيل ستواصل تحقيق أهدافها في غزة "بكامل قوتها".
وهنا تطرح الأسئلة نفسها، هل اجتياح رفح قادم؟ وهل سيناريو التهجير ما زال على طاولة إسرائيل؟ وكيف سيكون الموقف المصري في حينها خاصة وأن مصر هددت بتعليق معاهدة السلام في حال اجتياح رفح؟
جهاز الاستخبارات الخارجية الإسرائيلي "الموساد" الذي يتولى المفاوضات مع حماس بشأن الهدنة في قطاع غزة، قال إن الحركة الفلسطينية رفضت مقترح التهدئة الذي قدمه الوسطاء، وقال: "رفض المقترح.. يكشف عن أن رئيس المكتب السياسي للحركة في غزة يحيى السنوار لا يريد اتفاقًا إنسانيًا ولا عودة الرهائن، ويواصل استغلال التوتر مع إيران ويسعى إلى "تصعيد شامل في المنطقة".
هنا بالتحديد جاءت إيران في جملة مفيدة على لسان الموساد وربطت بين مستقبل الحرب في غزة على مدى التفاهم الإيراني الحمساوي وإن لم يذكر الموساد منهج وحدة الساحات الذي لم يكن سرًا منذ السابع من أكتوبر، الربط بين رفض الهدنة التي كانت مقبولة ظاهريًا من مختلف الأطراف وبين مسيرات إيران الليلية ونشاط الحوثيين في تهديد البحر الأحمر مع مناوشات حزب الله في شمال إسرائيل يجعل الصورة واضحة للجميع وهي أن المنطقة تتدحرج بسرعة إلى ما لا يحمد عقباه، وأن نزيف الدم لن يتوقف بالبساطة التي يراها الأمين العام للأمم المتحدة، فالمخطط أوسع من فكرة رهائن لدى حماس وأعمق من لعبة التهجير القسري، إنها خريطة جديدة تتشكل في المنطقة تحاول إسرائيل من خلالها تأكيد السيادة المطلقة على الإقليم دون اعتبار لمخاطر هذا الوهم.
إيران تلعب بهدوء المتأمل وبتركيز لاعب الشطرنج، بينما تندفع أمريكا وإسرائيل نحو العبارات الإنشائية والبلاغة الوهمية دون سند على الأرض، الحروب لا يمكن كتابة نهايتها بفوهات البنادق فقط ولكن النهايات في الأحداث الكبرى دائمًا مرتبطة بإعمال العقل والتفاوض الشريف.
سلك الكهرباء المكشوف الآن والممتد من طهران إلى العراق إلى سوريا إلى لبنان إلى مصر إلى الأردن بل وإلى السعودية لا يمكن أن يظل مكشوفًا دون صعق تل أبيب حتى وإن بدت تلك الصعقة في صورة لمسة غير مقصودة.
أحسنت مصر عندما شكلت خلية متابعة أزمة، تلك الخلية التي تعمل على مدار الساعة بالرصد والتحليل وترتيب سيناريوهات متغيرة مع كل خطوة حربية تشهدها المنطقة، لذلك نقول إن في كل صباح جديد لا بد وأن نضع في اعتبارنا أنه صباح يحمل ألف ألف احتمال.