رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

أن يزورنا ناريشكين

هذا الرجل، «سيرجى ناريشكين»، يرأس المخابرات الخارجية الروسية، منذ سنة ٢٠١٦، وقبلها، كان قد تولى، أواخر ٢٠١١، رئاسة مجلس الدوما، أو مجلس النواب الروسى، بعد ثلاث سنوات قضاها مديرًا للديوان الرئاسى، ويوصف بأنه أحد المقربين جدًا من الرئيس بوتين، الذى تقول مصادر عديدة، غير رسمية، إنه التقى به بين ١٩٧٨ و١٩٨٢، خلال فترة تدريبه فى أكاديمية الهيئة العامة الأولى لجهاز المخابرات السوفيتى، كى جى بى، المعروفة اليوم باسم أكاديمية المخابرات الخارجية الروسية.

تأسس جهاز المخابرات الخارجية الروسية، فى ديسمبر ١٩٩١، ليخلف الهيئة العامة الأولى لجهاز المخابرات السوفيتى، ودوره الأساسى هو تقديم التحليلات المخابراتية لرئيس الاتحاد الروسى، وله صلاحية عقد اتفاقات التعاون مع أجهزة المخابرات الأجنبية فى مجالات مشاركة المعلومات، ومكافحة الإرهاب. وفى هذا السياق، زار «ناريشكين» كوريا الشمالية، أواخر الشهر الماضى، وقالت وكالة الأنباء المركزية الكورية الشمالية الرسمية إنه عقد اجتماعين مع نظيره رى تشانج داى، ناقش خلالها سبل تعزيز التعاون بين البلدين «لمواجهة أعمال التجسس والمؤامرات المتزايدة التى تحيكها القوى المعادية».

فى هذا السياق، أيضًا، أعلن «ناريشكين»، فى يناير الماضى، عن تواصله، أو عن وجود اتصالات، مع وليام بيرنز، مدير وكالة المخابرات المركزية الأمريكية، موضحًا أن مثل هذه الاتصالات «تحول دون حدوث تطورات خطيرة فى الظروف التى قد يصل فيها الوضع فى العالم إلى نقطة خطيرة للغاية». كما أشار إلى وجود اتفاق متبادل، مع نظيره الأمريكى، على عدم السماح بأى تسريبات، ليس فقط حول طبيعة القضايا، التى يتم، أو سيتم، مناقشتها فى اجتماعاتهما وجهًا لوجه، ولكن أيضًا عبر المحادثات التليفونية.

المهم، هو أن هذا الرجل، الذى يرأس المخابرات الخارجية الروسية، زار القاهرة، أمس الثلاثاء واستقبله الرئيس عبدالفتاح السيسى، بحضور اللواء عباس كامل، رئيس المخابرات العامة. وجرى خلال اللقاء تناول تطورات الأوضاع الإقليمية، وعلى رأسها سبل تحقيق الاستقرار فى الشرق الأوسط فى ظل الأزمة فى قطاع غزة، وما تشهده المنطقة من تصعيد للتوتر الإقليمى، إلى جانب التطرق لعدد من القضايا الإفريقية، وملفات مكافحة الإرهاب، ومستجدات الأوضاع الدولية، خاصة فى أوكرانيا وأفغانستان. وأكد الجانبان حرصهما على استمرار التشاور والتنسيق بين مصر وروسيا فى مختلف الملفات، بما يحقق المصالح المشتركة للبلدين والشعبين الصديقين، فى ضوء ما يجمعهما من علاقات تاريخية متميزة.

شهد اللقاء، أيضًا، استعراض الجهود المصرية لتهدئة الأوضاع بالمنطقة من خلال التواصل مع جميع الأطراف، مع تأكيد رؤية مصر بضرورة الوقف الفورى لإطلاق النار فى قطاع غزة وإنفاذ المساعدات الإنسانية بكميات كافية، باعتبار ذلك الخطوة الأساسية لنزع فتيل التوتر الإقليمى، مع التشديد على أهمية التوصل إلى تسوية عادلة وشاملة للقضية الفلسطينية، وإقامة الدولة الفلسطينية على حدود ٤ يونيو ١٩٦٧ وعاصمتها القدس الشرقية، بما يضمن تحقيق السلام والاستقرار فى منطقة الشرق الأوسط.

الملفات نفسها، وأوجه التعاون القائمة بين مصر وروسيا، سبق أن تناولها، أيضًا، وزيرا خارجية البلدين، سامح شكرى وسيرجى لافروف، فى ٢٢ فبراير الماضى، على هامش مشاركتهما فى اجتماع وزراء خارجية مجموعة العشرين، بمدينة ريو دى جانيرو البرازيلية. وجرى خلال ذلك اللقاء، تبادل الرؤى ووجهات النظر إزاء القضية الفلسطينية، اتصالًا بالعدوان الإسرائيلى الجارى على قطاع غزة، وكذا مجريات الأحداث فى اليمن، وتأثيرها السلبى على أمن وسلامة الملاحة البحرية، بالإضافة إلى الأزمة المستعِرة فى السودان، وأيضًا سبل تسوية الوضع فى ليبيا، وجهود حلحلة الملف السورى. ولعلك تتذكر أن الرئيس السيسى كان قد أعرب، فى سياقات ومناسبات مختلفة، عن اعتزازه بعلاقات الصداقة التاريخية الوطيدة مع روسيا الاتحادية، وبالتطور الملموس الذى شهدته خلال السنوات الأخيرة.

.. وتبقى الإشارة إلى أن العلاقات المصرية الروسية، كما أوضحنا فى مقال سابق، تقوم على المصالح المشتركة، وتحدد أطرها السياسة الخارجية الأوسع، التى تبنتها دولة ٣٠ يونيو: تنويع الخيارات، الندية، الاحترام المتبادل، عدم التدخل فى الشئون الداخلية، والحفاظ على الدولة الوطنية واحترام سيادتها بوصفها حجر الأساس فى بناء النظامين الإقليمى والدولى.