رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

استقالة "باتيلى" المبعوث الأممى تربك المشهد الليبى

في ظل الزخم المصاحب لأحداث الشرق الأوسط والوطن العربي قدم "عبدالله باتيلي" المبعوث الأممي إلي ليبيا استقالته مساء الثلاثاء الماضي في مؤتمر صحفي بمجلس الأمن، حيث أعلن عن أن الأطراف الليبية لا تسعي لحل سياسي، وأن البلد غارق في فوضي سياسية وأمنية منذ اندلاع أحداث 17 فبراير 2011، كما انتقد بشدة أنانية قادة يضعون مصالحهم الشخصية فوق حاجات البلاد– علي حد زعمه- كما أعلن عن تأجيل مؤتمر المصالحة الوطنية الليبية إلي أجل غير مسمي.

السنغالي "باتيلي" هو الدبلوماسي الثامن الذي يشغل منصب المبعوث الأممي إلي ليبيا منذ عام ونصف العام، وثالث مسئول يقدم استقالته من بعثة الأمم المتحدة بعد السلوفيكي "يان كوبيش" واللبناني "غسان سلامة"، وإن لم تختلف كثير أسباب استقالتهم جميعًا.

ردود أفعال غاضبة في الشارع الليبي علي هذه الاستقالة التي اتهم فيها "باتيلي" القادة الليبيين بالأنانية وأنهم يريدون تحقيق مصالحهم الشخصية علي حساب الشعب الليبي"، فيما يري السياسي الليبي أن "باتيلي" لم يأت بمبادرات سياسية شاملة لحل الأزمة الليبية خلال توليه مهامه الأممية، بل أن الأزمة تتفاقم في ظل انشغال المجتمع الدولي والعربي بقضايا أخري، لا سيما الحرب علي غزة  وما تقوم به إسرائيل من تأجيج الرأي العام العالمي.

من أخطر الملفات العالقة التي تشكل خطرًا كبيرًا علي الأزمة الليبية ملف تطهير ليبيا من المليشيات والمرتزقه وهو ملف لم يقترب منه أي مبعوث أممي بطريقة جادة وحلول عملية، في حين ينتظر الليبيون قرارت مجلس الأمن لحسم هذه القضية التي تشكل الخطر الأكبر علي أمن البلاد وبدون القضاء علي الميليشيات لن تكون هناك دولة مستقرة، وهذا ما أكده مؤتمرا برلين الأول والثاني 2022 علي خطورة استمرار الميليشيات ومدي تأثيرها علي سير الاستحقاقات الانتخابية التي فشلت في كل مرة بسبب عدم استقرار أمن البلاد.

لأول مرة يجتمع الغرب الليبي مع شرق البلاد علي أن البعثة الأممية  لم تمارس دورها في دعم العملية السياسية، بل هناك إشارة بالاتهام من البعض إلي أن المبعوث الأممي هو من يعرقل  تشكيل حكومة موحدة ولا يدعم التيارات السياسية التوافقية مما يزيد المشهد تعقيدًا، فضلًا عن أن الأمم المتحدة لم ترحب أو تدعم مشروع الحكومة الموحدة، كما أن تغيير المسئول الأممي لم ولن يقدم جديدًا ما لم تكن هنك نية حقيقية ومبادرات من الأطراف الدولية لإيجاد حل سياسي شامل.

رغم أن "باتيلي" قال جزءًا من الحقيقة، وإن كان لا يريد توريط نفسه في أحداث قادمة لا تحمد عقباها أعلن عن أسباب إرجاء مؤتمر المصالحة الوطنية لأجل غير مسمي خشية اندلاع صراع مسلح وتحالفات عسكرية وسياسية جديدة.

الإبقاء علي هذه الأوضاع يصب في مصلحة "عبدالحميد الدبيبة" رئيس الوزراء المؤقت  والمنتهي ولايته، الذي يقدم أموالًا طائلة للميليشيات التي تعمل علي حمايته، كما أن هذه الميليشيات أوقعته  في أزمة مع البنك المركزي الليبي بسبب نقص في الأموال لتلبية طلبات الميليشيات.
فيما نجد منشورًا علي صفحة  "الدبيبة" بموقع "فيسبوك": "أرحّب بما جاء في إحاطة المبعوث الأممي أمام مجلس الأمن وما تضمنته من تأكيد أهمية الحفاظ على وحدة البلد، وعدم تعزيز حالة الانقسام في إشارته إلى خلق مسارات ومؤسسات موازية تؤدي إلى تقويض جهود حل الأزمة، وتحول دون الوصول بالبلد إلى الانتخابات عبر طاولة الحوار".  كما تضمنت قرارات "الدبيبة" الأخيرة قررا بتخصيص أرض بالكلية الجوية في مصراتة لصالح قوات القيادة الأمريكية في إفريقيا، مما دعا لجنة الدفاع والأمن القومي في "النواب الليبي" أن تستنكرت قرار تخصيص قطعة أرض لـ"أفريكوم".

الخلاص من "الدبيبة"-المنتهي فترة ولايته-  لن يكون إلا من خلال انتخابات حرة نزيهة، وإن كانت الانتخابات في كل دول العالم تخضع لقانون ودستور الدولة، إلا أن  اختيار من تقلدوا منصب رئيس الوزراء الليبي يضاف له شرط جديد، كما تصرح التيارات التوافقية وأعضاء برلمانيون بأن استمرار السلطة في ليبيا يجب أن تكون موالية لدول الغرب، وتحديدًا الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا، هذا ليس سرًا بل واقع يعيشه الشعب الليبي منذ الإطاحة بنظام الرئيس معمر القذافي فبراير 2011.

من بين تصريحات "باتيلي" المثيرة للجدل في السابق، أن حل الأزمة الليبية سياسي وليس قانونيًا، مشيرًا إلي أن اتفاق لجنة "6+6" لن يفضي إلي انتخابات قريبة، كما رأي أن تشكيل حكومة جديدة قد يعمق الأزمة والخلافات".. تصريحات يراها البعض مخيبة للأمال بما يؤكد أن أي حكومة جديدة يجب أن تحظي بمباركة غربية.

في ظل الوضع الأكثر تعقيدًا والانسداد الراهن تظل محددات الحل غاية في الأهمية حل الأزمة الليبيبة، أولًا: يجب أن يكون ليبيًا ليبيًا بدعم من التيارات التوافقية مع تمثيل لكل القبائل دون اقصاء لأحد.
ثانيًا: أن يصدر قرار ملزم من مجلس الأمن بالقضاء علي المليشيات وتطهير ليبيا من المرتوقة.
ثالثًا: العمل علي  انتخاب حكومة موحدة في ظل أجواء أمنية آمنة تعبر عن الشعب الليبي.
رابعًا: توزيع عادل للثروات وإقامة نظام مصرفي موحد.
خامسًا: الإبقاء علي جيش ليبي موحد لحماية كل الليبيين.