رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

التاريخ أخبرنا كيف تنتهى الحروب

لا تزال إسرائيل تشغل ماكينة الحرب، وتواصل العمل ذاته «اجتياح شمال القطاع ثم وسطه ثم جنوبه» على أمل أن تأتى اللحظة وينقلب الحظ فيكون الفوز الأكبر.. نتنياهو وحكومته واليمين قالوا إن النصر المطلق سيتحقق فى رفح.. كثيرون غير مقتنعين بهذا. 

ذلك بعد أن أعلنت إسرائيل عن قائمة متزايدة الاتساع من أهداف الحرب التى تشمل القضاء على حماس، وإعادة جميع الرهائن، والضمانات بأن غزة لن تهدد إسرائيل مرة أخرى، ومنع السلطة الفلسطينية من أى دور فى حكم الأراضى، وإنشاء منطقة عازلة واسعة داخل غزة تفصل إسرائيل عن سكان القطاع- ومع ذلك لم يشرحوا لنا كيف يمكن تحقيق كل هذا باجتياح رفح، باعتبارها المعركة التى ستنهى كل المعارك.

لا ينبغى أن تكون محللًَا من نوع خاص لتتوقع كيف ستنتهى الحرب، فحروب إسرائيل «الكثيرة» علمتنا كل مرة كيف تنتهى الحرب. 

لم تنته حروب إسرائيل بتحقيق الأهداف، لأن فى كل مرة يتم رسم أهداف مطاطة وفضفاضة ولا يمكن تحقيقها بالعملية العسكرية وحدها، بل تحتاج- قبل أى شىء- لحل سياسى، والحقيقة أن حروب إسرائيل تنتهى عندما تقرر الولايات المتحدة وقف الحرب لأنها ذهبت أبعد مما ينبغى.

فى حرب ١٩٤٨، عندما أقيمت إسرائيل وهاجمتها الجيوش العربية، وانتصرت إسرائيل على جميع الجبهات تقريبًا، مما أدى إلى نزوح ما يقرب من ٧٥٠ ألف فلسطينى، لم تنته الحرب إلا عندما أصبح قادة إسرائيل خائفين من التدخل العسكرى البريطانى، ووافقوا على سحب قواتهم من سيناء وإلغاء العمليات للاستيلاء على الضفة الغربية.

فى عام ١٩٥٦، عندما غزت إسرائيل، إلى جانب بريطانيا وفرنسا، مصر واحتلت شبه جزيرة سيناء وقطاع غزة. لم تترك إسرائيل الأراضى التى احتلتها إلا عندما هدد الرئيس أيزنهاور بالانتقام المباشر، وفى حرب ١٩٦٧ أمر مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة بوقف إطلاق النار، لكن إسرائيل لم توقف القتال حتى ضغطت الولايات المتحدة والأمم المتحدة على رئيس الوزراء ليفى أشكول، ووزير الدفاع موشيه ديان، من أجل وقف مفاجئ لإطلاق النار.

فى أكتوبر ١٩٧٣، بعد أن شنت مصر وسوريا هجومًا مفاجئًا على المواقع الإسرائيلية، وبعد أن بدأت القوات الإسرائيلية فى الهجوم المضاد أصر الرئيس ريتشارد نيكسون ووزير الخارجية هنرى كيسنجر على أن تلتزم إسرائيل بشروط قرار مجلس الأمن رقم ٣٣٨، الذى يتطلب من إسرائيل العودة إلى المواقف التى كانت قد اتخذتها يوم صدور القرار. 

وقد استمر هذا النمط بشكل ثابت فى القرن الحادى والعشرين، بما فى ذلك حرب لبنان الثانية عام ٢٠٠٦، عندما تدخلت الولايات المتحدة وفرنسا، للتوسط فى استصدار قرار من الأمم المتحدة.

حروب غزة لم يكن حظها أفضل، ففى كل مرة كان وقف الحرب عن طريق تدخل ووقف إطلاق النار، وبالأخص تدخل من الولايات المتحدة التى تقرر أن هذه الحرب يجب أن تنتهى.

هذه هى الطرق التى أوقفت بها إسرائيل حروبها، أما عن فكرة تحقيق الأهداف، فبعد أن تفرض الولايات المتحدة وقف إطلاق النار دون حسم، فيمكن لنتنياهو أن يقول إنه كان فى الطريق لتحقيق أهداف كبيرة لولا تدخل الولايات المتحدة، ويمكنه أن يلومهم بأنهم هم من أوقفوا الحرب قبل الحسم.

نتنياهو هذه المرة يعند أكثر من أى مرة، لأن هذه الحرب مختلفة، ولأن هجوم ٧ أكتوبر كان له تأثير كبير، ولكن التجربة تقول إن حروب إسرائيل تنتهى دومًا مثلما تنتهى.